نادية صالح تكتب : الغائبة الحاضرة 2-2
انتقلت فاتن حمامة من سينما شهر زاد بجوار منزلنا فى الجيزة، حيث كانت أمى تأخذنا طابور نصف دستة من الأبناء إلى السينما، انتقلت فاتن حمامة لتصبح جزءاً من عملى، أجلس إليها، أحاورها، أسألها فتجاوبنى، رأيتها من لحم ودم وليس صورة على الشاشة، بيتها من أكبر عمارات الزمالك وأجملها عمارة «لسيبون» ذوقها الرفيع يحكى عنه بيتها، أناقتها، رقتها تسبقها إلىّ.. عندما تدخل البيت تقابلك صورة بالحجم الطبيعى «رسماً» بريشة أحد كبار الرسامين لفاتن حمامة، تجلس بشموخها ورقتها فى ذات الوقت.. وإذا سألت عن سر اجتماع الشموخ مع الرقة فالإجابة أن له فى خلقه شئون، سبحان الله.. وتتكرر زياراتى وحواراتى وتطمئن إلىّ، بل وتمنحنى ثقتها وأظن أن ذلك بدأ عندما لاحظت التزامى ومراعاتى ودقتى فى المواعيد، حتى إنها سألتنى عمن تعلمت منه هذه الدقة وذلك الالتزام وكان ذلك سبباً فى حصولى على ثقتها والاطمئنان إلىّ- ونعود إلى فاتن- ست البيت.. ولونها المفضل هو الأبيض بنقائه ووضوحه، وترتيبها للأثاث يشعرك بالراحة والاسترخاء.. الأثاث لا يزاحم.. بل الجمال والاتساع تحرص دائماً على أن يعطيك ويقدم لعينيك الكثير من الجمال والهدوء، اللوحات لا تتكدس بل تترك لك الفرصة لتشاهدها وتنعم بجمالها، كل ما فى البيت يقول لك: هنا فاتن حمامة.. هنا سيدة المنزل وسيدة الشاشة، وللحق كنت من هولاء الذين ارتاحت إليهم «فاتن حمامة» وأعطتنى دائماً أولوية فى حواراتها ولدّى مخزون كبير من كلماتها التى حملها الميكروفون والتى لم ينقلها الميكروفون بل كانت فى حوارات جانبية بيننا قبل وبعد التسجيل.. وأقول بكل الصدق إننى قدرت بل واستفدت منها ومن حكمة صاحبتها التى لم تبخل بها علىّ.. ولابد أن تاريخ السينما قال وسيقول الكثير والكثير عن فاتن حمامة.. واسمحوا لى أن أتأمل معكم بعضاً مما قالته لى يوماً بعيداً عن الميكروفون وهذه بعض كلماتها:
1- قالت لى أمي: لا تأمنى للرجال.
ملحوظة: هل وعت فاتن ما قالته الأم؟!
2- قال لى أبى: إياك والغرور.
ملحوظة: أظن أنها التزمت بالنصيحة!
3- تعلمت من الحياة أنها تضحك لمن يضحك لها.
إذن «اضحك تضحك لك الدنيا».
4- تهزنى دموع فى عين رجل كبير.
ملحوظة: هل أوجعتها دموع زوجها د. محمد عبدالوهاب يوم وداعها ورحيلها؟ هل شعرت بذلك؟ الله أعلم.
5- الحب الأول فى حياة المرأة مجرد خيال.
ملحوظة: هل نوافقها نحن النساء على ذلك؟!
6- قال لى سعيد فريحة الناقد اللبنانى الكبير: الإنسان لازم يحرر نفسه بنفسه.
ملحوظة: أنا أرى فى هذه العبارة حكمة مهمة، تقدم للإنسان أكبر قدر من النجاح فى مواجهة مشاكل الحياة.
وأخيراً وليس آخراً: كانت هذه بعضاً من قناعات «فاتن حمامة» التى لم تتفاءل- كما قالت لى يوماً- برقم 13 ويوم الجمعة.. فهل كان ذلك جزءاً من أيام الرحيل أو رقماً من أرقامه.. الله أعلم.
وعلى أى حال.. هذا بعض من أقوالها فى لحظات هادئة لابنة المنصورة ومصر التى أنجبتها والتى أحبتها فاتن وحملت قضاياها وتظاهرت بفنها دفاعاً عن تلك القضايا وحلاً أو محاولة إيجاد الحلول لها.
يرحمها الله بقدر ما أعطت.. «غائبة وحاضرة».. فالله قال لنا إنه لا يضيع أجر من أحسن عملاً.