محمد مسعود يكتب : الفاتنة
.. ربما كانت فاتن حمامة أكبر من كل ما كتب أو قيل عنها، سواء ما نشرته الصحف، أو بثته البرامج التليفزيونية، لأنها باختصار، أكبر من الكلمات، والعبارات، أكبر من أن يغفل عنها الزمن، ولو لحظة واحدة، فصاحبة مئات الأعمال القيمة، الناجحة، والمحترمة، أقوى من الزمن.. لأن الموت وإن كان قادرا على أن يغيب روحها، سيفشل بالتأكيد فى إبطال سحرها وعفويتها التى جعلتها فى مكانة تستحقها.. كممثلة القرن.
فاتنة السينما المصرية وسيدتها، كانت تجبرك على احترامها، كانت لا تحب أن يذكر أحد علاقتها بزوجها السابق عمر الشريف، كونها على ذمة رجل آخر، رجل تزوجته فأصرت على احترامه، وفرضت احترامه – وإن كان بالفعل يستحقه – على الآخرين، ويوم أن وجدت نفسها لن تقدم جديدا رفضت عشرات الأعمال بعد أن قدمت مسلسلها الأخير «وجه القمر»، احترمت الموهبة والخبرة والسن، والصحة، لم تهلك نفسها من أجل المال كما يفعل الكثيرون والكثيرات، ولم تقدم أعمالا لم تنل رضاها الكامل، بوصفها سيدة للشاشة العربية.
لن أقول إن بوفاة فاتن حمامة، فقد الفن الكثير، لأنه بالفعل افتقد الكثير ومازال، حتى وهى على قيد الحياة، فما كانت حياتها ستمنع انحدار الذوق العام، والأعمال السينمائية والتليفزيونية المحشوة بأفكار مسمومة، لا تخاطب عقلاً.. ولا تخضع لمنطق، كل ما هنالك، شباك تذاكر يتحكم فى السينما.. واسم النجم وحجم تسويقه يتحكم فى التليفزيون، عن طريق الإعلانات التى وصفها عميد الأدب التليفزيونى الراحل أسامة أنور عكاشة بالبقرة المقدسة !.
لم أقنع أو أقتنع بوفاة فاتن حمامة، كونها وصلت لمكانة، أصبحت الحياة عندها تساوى الموت، فكم من موتى مازالوا أحياء، وكم من أحياء هم فى الحقيقة أموات لكن على قيد الحياة.
والحقيقة أن الموجع فى الأمر، أننا كنا نتباهى ونقول: «عندنا فاتن حمامة»، كدليل على الرقى، فى زمن أصبح الرقى عملة نادرة، فى حين أن آخرين كانوا يعايروننا بأننا لدينا «فيفى عبده» مع كامل الاحترام لها ولعملها، فالأزمة ليست أزمتها بينما هى مشكلة عصر كامل.
فاتن حمامة، ظهرت ونضجت وتوهجت فى زمن، كان مليئا بالمواهب، كان هناك منتج فنان، لا يفضل شباك التذاكر على سمعته، أو يخصم من دفعات النجوم ليبيع لهم سلعته، كان هناك من يخشى على المهنة ويحبها، ويقدم لها المال والجهد قبل أن يفكر أو يحسب ما سيجنيه مقابل عمله.
موت فاتن حمامة لا يعنى رحيلها عن عالمنا، لأنها جزء منه، جزء أثر فى وجدان الكثيرين وشكل ثقافتهم، اختصرت لنا الزمن فى مجموعة من الأعمال السينمائية، كانت بها الهانم والفلاحة، والطيبة والحزينة، لم تكن كغيرها من السيدات، فهى المرأة التى يمكنها أن تختصر جميع السيدات فى شخصها، ولعل تألقها ونجاحها فى عصر كان مليئا بالنجمات المتألقات الدليل الأكبر على موهبتها الفذة، الموهبة التى منحها الله لها، لتكون فاتن حمامة، التى ربما تبتسم الآن وتنظر لنا فى العالم الآخر وتقول: «كم أنتم غافلون»!.