نادية صالح تكتب : فاتن حمامة الغائبة الحاضرة
أيام قليلة مضت، غابت عنا سيدة الشاشة حبيبة القلوب، من لا تشبه أحداً ولا يشبهها أحد، وهبها الله سبحانه وتعالى- وله فى خلقه شئون- ما جعلها قريبة وحبيبة لملايين أحبوها، وكانت- بأدوارها فى السينما- واحدة من أفراد أسرهم وأهلهم.. فاتن حمامة جاءتهم فى «يوم سعيد» وكبرت يتيمة من يتيمتين أحبها فاخر فاخر وأنقذها من ظلم الناس القاسية قلوبهم، وخرجت علينا تعلمنا بأدوارها الخالدة الحب الشريف، وتنشر لنا «أيامنا الحلوة» مع عبدالحليم حافظ وأحمد رمزى، وتمضى رحلتها مع السينما لنراها «سيدة القصر» تمتلك قلب ذلك الثرى الذى يطمع فيه أصدقاء السوء ولكن ذكاءها وجمالها ينقذه، ونراها وهى «بين الأطلال» بعد غياب الحبيب ترعى ابنته وتتبناها.. ومن جديد نرى ويتجسد معنى الشرف وسمو المعانى وقضايا المجتمع فى موهبة ساحرة تربعت بها على عرش القلوب التى ذهبت إليها تودعها بلا دعوة إلا دعوة الفن الصادق والعمل المخلص، وراقبوا ياناس ما جرى فى وداع سيدة القلوب دونما جهاز أمن، تدافع الناس وتزاحموا دونما انتظام أو نظام لأن الحب كان هو السيد، حتى لو فرحوا بتواجد الفنانين من زملائها وزميلاتها، لأنهم يرمزون إلى المعانى السامية، وسوف يقول تاريخ السينما الكثير والكثير والأهم والأهم بدراسة وافية للمشوار والمحتوى والقضايا التى عالجتها أفلامها تلك الجوهرة النادرة التى لا يجود بمثلها الزمان كثيراً، واسمحوا لى أن أتأمل مع حضراتكم تاريخ علاقتى بهذه «الفاتنة» وأظن أن لها تاريخاً وقصة وأحياناً فيلماً مع كل مصرى ومصرية بل عربى وعربية، ولكن هذه حكايتى معها:
وللحق كان غياب هذه السيدة مميزاً كما كان حضورها، لقد قرأت الخبر العاجل على شاشة التليفزيون، ولا أدرى لماذا صدّقته رغم أن هناك من حاول أن يشكك فى صحته، وفى «لحظة».. «لحظة» صغيرة اختلطت دموعى بذكريات سنوات طويلة من عمرى، وبكل الصدق أقول وكلّى دهشة من إقبال هذه السنوات فى لحظة، تذكرت «أمى» تأخذنا طابوراً «ستة» من الأبناء.. أربع بنات وولدان.. نذهب أسبوعياً تقريباً إلى سينما شهرزاد بجوار منزلنا فى الجيزة، حفظت خلالها أفلام «فاتن حمامة» وكدت «أُسمّعها» عن ظهر قلب، وازداد إعجابى بها حتى تمنيت أن أكون ممثلة وصرت أجيد تقليد صوتها وأدائها ولعل عملى بالإعلام كان حلاً وسطاً بعدما أحببت التمثيل ولم أمارسه.. كانت فاتن حمامة مثالاً لمراهقات ذلك الزمان بالحب الشريف الذى مارسته على الشاشة وتعلمنه من عفة لسان الشخصيات التى جسدتها فى أفلامها وذلك على عكس مانراه ونشاهده هذه الأيام على الشاشة أو فى الواقع المرير الذى نعيشه، لقد استطاعت «فاتن» ومعها الأدباء والكتاب الذين كتبوا لها أو جسدت رواياتهم وقصصهم أن يجعلوا من بلدنا وشبابنا ما دفع الكثيرين إلى وصف ذلك الزمان بالجمال.. وراقبوا هذه العبارة التى تتكرر كثيراً «الزمن الجميل».. رغم أن الزمان هو الزمان.. ولكننا من نجمّله أو نقبحه «من القبح».
ويا أيها السادة.. راقبوها وهى تذهب فى آخر لقطات ولحظات وأيام حياتها لتتلقى وسام تكريمها من السيد رئيس الجمهورية المؤقت المستشار عدلى منصور.. تمشى شاكرة للتكريم وصورتها تحمل وتظهر عبء السنين على وجهها دون أن يفسده عمليات «الشد والجزر».. بل بكل تلقائية وطبيعية ظهرت على الناس وأطلت وكأنها تودعهم.
وبكل تقدير واحترام نظر إليها الرئيس وكأنه هو أيضاً يستعيد معها «قصة» أو «ذكرى» لأحد أفلامها وأدوارها، وهكذا أيضاً كان ترحيب الرئيس السيسى وذهابه إليها مرحباً ومقدراً لتاريخها ولابد أنه أسمعها تقديره ولابد أنها نقلت إليه أمنياتها ودعاءها أن ينصره الله على ما يعترض حياتنا من مشاكل وأن يعينه على تحمل تبعات ومسئولية الحكم فى هذه الفترة العصيبة.
وأخيراً وليس آخراً اسمحوا لى أن أعود إلى كتاب فن هذه السيدة لنرصد كيف وماذا يمكن أن نستفيد منه، فأنا أجد من حقى أن أحكى عن «فاتن حمامة» التى قابلتها شخصياً بعدما عملت فى الإعلام.. بعيداً عن السينما.. وفى حياتها الخاصة.. وقمت بتسجيل عدد كبير من الحوارات معها وفى مناسبات كثيرة.. ودخلت منزلها فى عمارة «ليبون» بالزمالك قبل أن تنتقل إلى القطامية.. فماذا عن فاتن حمامة فى بيتها؟! وماذا عن بعض ما قالته لى؟ وماذا عن حكمة الحياة التى تعلمتها؟! والتى تعلمت أنا أيضاً منها؟! نتأمل كل ذلك الأسبوع المقبل إن شاء الله.