الواقع الصحفي المصري.. من الريادة إلي الشيخوخة والموت!

تقارير وحوارات

بوابة الفجر

"إذا كنت لا تعرف أين تذهب فكل الطُرق تؤدي إلي هناك” عبارة مأثورة شديدة المنطقية، فعند غياب المعلومة، أو عند تغييبها، تُصبح خطوات الإنسان مُتخبطة تتساوى فيها الاتجاهات التي يسلكها، على أختلاف نتائجها!

وقد استجابت الصحافة مع بداية ظهورها من رَحِم طابعة "جوتنبرج" إلي حاجة الإنسان الغريزية لمعرفة ما يُحيط به من أحداث ووقائع على مختلف الأصعدة، وبطبيعة الحال مرت صاحبة الجلالة بالعديد من المراحل قبل أن يُسنِدَ إليها العالم مهمة تبصيره بما يدور حوله من فاعليات.

 الولادة فالمراهقة ثم الشباب والنضوج.. كلها مراحل مر بها – كما يعتقد كاتب هذه السطور – بلاط صاحبة الجلالة فهل توقفت الصحافة عند هذا الحد أم أنها مُرشحة للولوج إلي مرحلة الشيخوخة المُفضية بشكل منطقي إلي الموت والتلاشي لنصل إلي عالم خالي من الصُحف تمامًا؟؟

ربما تقتصر إجابة هذا التساؤل على محورين.. الأول خاص بالقائمين على خدمة صاحبة الجلالة ومدى استجابتهم لتطلعات جمهور المُتابعين في معرفة حقيقة ما يطرأ من أحداث ومستجدات على الساحة المحلية والعالمية أما المحور الثاني بيد الجمهور نفسه، الذي انصرف جزء كبير منهم إلي الإعلام البديل خصوصًا مع توافر الوسائل التكنولوجية الحديثة التي أتاحت توثيق ما يحدث بسهولة ويسر.

ففي الوقت الذي يُنافس فيه الإعلام البديل بشكل ملحوظ صفحات الجرائد في رصد ما يحدث لا يزال معظم حُراس صاحبة الجلالة في مصر يتنفسون برئة القرن التاسع عشر إذ يتوقف الغالبية العظمى منهم عند تعريف اللورد "نورثكليف"  للخبر الصحفي مستحق النشر بأنه – أي الخبر الصحفي - “الإثارة والخروج عن المألوف"، وعلى الرغم من أن هذا التعريف الذي خرج من عباءة المجتمعات الرأسمالية الليبرالية - والتي يتخذ فيها المشروع الخاص موضعًا مركزيًا ضمن نسيجها الاجتماعي الفاعل ويصبح فيها الربح أولوية مطلقة - لا يزال باقيًا على قيد الحياة فوق العديد من خرائط العمل الصحفي حتى يومنا هذا في جميع أرجاء العالم إلا أن هذا التعريف الذي يتعامل مع عنصري الإثارة والطرافة باعتبارهما أهم العناصر الخبرية التي تُضفي على حادثة معينة وزنًا إخباريًا، يجعل من الخبر الصحفي مجرد سلعة تلهث دائمًا وراء مُستهلكيها بصرف النظر عن فكرة تلبية رغبة الجمهور في المعرفة المجردة وبلورة تصوراته إزاء المسائل العامة والخاصة.

ومع الأخذ بعين الاعتبار أن التعامل مع المفاهيم الخاصة بدوائر الإبداع الاجتماعي والإنساني لا تخضع لمعادلات صارمة مطلقة بل تتأثر بحزمة من العوامل والمؤثرات الحضارية والثقافية فقد ذهب البعض إلي أبعد مما ذهب إليه اللورد "نورثكليف" في تعريفه للخبر الصحفي إذ لم يتردد الصحفي الأمريكي "ستانلي ووكر" في طرح تعريف أكثر تطرفًا يُشير فيه إلي أن الخبر هو مُحصلة المرأة والجنس والجريمة والمال!! مما أدى إلي نشوء أنماط من الصحافة شُغلها الشاغل في المقام الأول تَمَلق غرائز الجمهور وإشباعه بكل ما هو مثير وفضائحي وسطحي، الأمر الذي قابل رفضًا عنيفًا حتى من قبل هؤلاء الذين يدينون بالولاء للقيم الليبرالية بعد أن رأت الآثار الجانبية السلبية لهذا النمط من الصحافة وما يرتبط بها من رؤى وتنظيرات سوف يتسبب في إلحاق الأذى بالمجتمعات الرأسمالية الغربية.. وفي خطوة أعتبرها البعض للأمام في المعالجة الخبرية تم صياغة العديد من التعريفات للخبر الصحفي وفقًا لاعتبارات جديدة كتعريف "كارل وارن" الذي أكد على عنصر الفائدة فيقول "الخبر هو مادة تتناول بعض أوجه النشاط الإنساني الذي يهم الرأي العام ويفيده ويضيف إلي معلومات الجمهور جديدًا". فهل كان للصحافة المصرية نصيب من هذا الطرح؟

لن تحتاج إلي وقت كبير، إذا كنت من مُتابعي الصحف، كي تعرف أن الإجابة - بعد التفكير في نسب توجهات الصحف المصرية الشهيرة - بالقطع لا! إذ أن أختيارات الصحف المصرية محدود جدًا ولا تَبعد عن ثلاثة مدارس

- مدرسة تتعامل مع الخبر على أعتبار أنه قالب صحفي مُلتزم "على النحو الذي يُحدده النظام" فتُطل على جمهورها بلسان النظام وتُرسخ ما يدعم استقرار دولته. 

- مدرسة تحولت تلبية رغبات جمهورها إلي هدف ومعيار أساسي من معايير نجاحها بصرف النظر عن الأطر الثقافية والاجتماعية لهذا الجمهور.

- مدرسة "نادرة الوجود" تحاول أن تُقدم خدمة إعلامية تستجيب لتعريف  "كارل وارن" سالف الذكر.

الآن هل يُخالجك شك في أن الصحافة  بمصر إلي طريقها للشيخوخة المُفضية إلي الموت؟؟ 

أليس من الغريب أن تكون بداية ظهور الصُحف في المنطقة عمومًا بين حدود عاصمة المحروسة على يد الوالي "محمد علي" عندما أسس جريدة الوقائع المصرية في عام 1828 لتكون أول جريدة تنطقُ العربية وبعد مرور أكثر من قرن كامل يمكنك أن تُطالع خبر عن نسبة عجز مهولة في أحد الصحف القومية؟! أبمرور الوقت نزداد احترافًا أم ننحدر عما كنا فيه؟! وهل تُفضل قراءة خبر في جريدة مصرية أم تُفضل الاعتماد على مصادر أجنبية ناطقة باللغة العربية أو حتى جرائد عربية شقيقة؟؟

دعنا من المقارنة مع الصحف العربية واﻷجنبية أو الصحف القومية والخاصة، دعونا ننطلق نحو حفنه من الهواة في مُقابلة مجموعة مع المحترفين.. أو بمعنى آخر الإعلام البديل في مقابل الصحف ووسائل الإعلام ذات الثقل.. فهل تُفضل ببساطة مشاهدة فيديو نشره أحد المصورين أو النشطاء أو قراءة خبر تحليلي لواقعة ما؟!!
إجابتك عزيزي القارئ على ما سلف هي ما تُحدد أما أنا.. فنعم يا سادة اعتقد أن الصحافة في مصر قد بلغت  حد الشيخوخة!


للمناقشة والتواصل مع الكاتب اضغط هنا




* تم الاستعانة ببعض التعريفات التي وردت  بكتاب "الخبر الصحفي" للدكتور وائل ماهر قنديل.