أﺣﻤﺪ ﻓﺎﻳﻖ يكتب : السيسى فى مواجهة الدولة العميقة
■ المعركة تشمل الموظفين الكبار ومافيا الأراضى والعفو عن المسجونين فى القضايا السياسية
انتبه من فضلك هذا المقال ليس دموياً كما تعتقد، أو يؤسس لصراع، بل محاولة لمناقشة أزمة نعانى منها وبهدوء، وهذه ليست دعوة للرئيس كى يجمع كل مراكز القوى فى قلعته ويذبحهم جميعا، فلكل عصر مذبحة القلعة الخاصة به، فعلها السادات مع مراكز القوى فى الاتحاد الاشتراكى بطريقة أقل حدة، والسيسى مطالب بها الآن وقبل غدا والأسباب كثيرا، علينا أولا أن نعرف ماذا تعنى الدولة العميقة، فهذا المصطلح تم استخدامه مئات المرات بشكل خاطئ، ويتم توجيهه سياسيا إلى أن أصبح مصطلحا سياسيا، رغم أنه فى الأساس لا يعنى سوى البيروقراطية المصرية فى مؤسساتها المختلفة بداية من البنوك وحتى الأجهزة الأمنية.
العدو الأول لأى تطوير فى مصر هو طبقة المنتفعين من الفساد من كبار الموظفين، الذين يريدون إبقاء الوضع على ماهو عليه من فساد، وربما يدفعهم هذا إلى مواجهة أى أحد فى الدولة يهدد وضعهم حتى لو كان رئيس الجمهورية.
إن الكتابة فى هذا الموضوع مثل السير على حقل ألغام، والبحث عن الورود المحاطة بالأشواك، لكن الفشل الذى عانت منه مصر طوال عام فى فترة حكم مرسى، جعل كل مؤسسة من مؤسسات الدولة تعتقد أنها الأجدر بالحكم، والمؤسسات الأساسية أقصد بها القضاء مثلا ومؤسسات سيادية أخرى. غيرة بعض هذه المؤسسات على الدولة جعلت كلا منها تعتقد أنه آن الأوان لتصدر المشهد، إلى أن جاء الرجل القوى من أقوى مؤسسة فى مصر وأكثرها تنظيما والتزاما وهو الرئيس عبد الفتاح السيسى.
الرئيس الإصلاحى يجد مقاومة فى كل خطوة يخطوها، فهو لا يريد أن تسير الأمور كما كانت عليه، المقاومة الأولى التى واجهها الرئيس حينما أصر على تطبيق الحدين الادنى والاقصى للأجور، وهو القرار الذى فشلت فى تطبيقه الدولة منذ ثورة 25 يناير وكان أحد مطالبها، الدولة فشلت فى تطبيقه لأن هناك مقاومة له، فهناك طبقة من كبار الموظفين يحصلون على أجور شهرية بأرقام فلكية فى قطاعات مختلفة من الداخلية وحتى البنوك والبترول.
تطبيق مثل هذا القرار كان يحتاج لرجل قوى مثل السيسى ونجح بالفعل فى تطبيقه، القطاع الذى تصدر مشهد مقاومة الرئيس فى قرار الحد الأقصى للأجور هو قطاع البنوك، وهددت قيادات البنوك بالاستقالة، واستقال بعضهم بالفعل، وانتقل للعمل فى مؤسسات عالمية وحصلوا على أجور أكبر من أجورهم فى الدولة، قوة هذا القرار فيما قاله الرئيس السيسى فى الكواليس وهو «حينما أتخذ قراراً أتحمل تبعاته للنهاية ولا أنظر للخلف أبدا».
ويبدو أن مؤسسة الرئاسة كانت مستعدة لتحمل رد فعل تطبيق الحد الأقصى للأجور، وتم تجهيز قيادات بديلة وخطط طوارئ حتى لا يحدث خلل فى القطاع المصرفى أو غيره من قطاعات الدولة، وخرج الرئيس من معركته الأولى مع الدولة العميقة منتصرا.
لتبدأ المعركة الثانية وهى فتح ملفات فساد الأراضى، وقررت مؤسسة الرئاسة تقسيم الملف لعدة نقاط، والبداية كانت من نهب أراضى طريق مصر الاسكندرية الصحراوى، فطوال الأعوام الماضية تم نهب أراضى فى طريق اسكندرية الصحراوى تقدر بـ150 مليار جنيه، مابين أراض زراعية تم الاستيلاء عليها وبناء قصور وفيللات فخمة للأثرياء، وأراض أخرى تم الاستيلاء عليها بوضع اليد، المفاجأة أن المافيا التى استولت على هذه الأراضى ترفض أن تدفع حق الدولة، والفُجر «بضم الفاء» أنهم أكدوا أن هذه الأموال تم دفعها رشوة للموظفين الكبار فى عهد مبارك!
مافيا الأراضى بدأت فى حملة منظمة تهاجم وزير الزراعة حتى لا يفتح هذا الملف، لكنهم لا يعلمون أن مؤسسة الرئاسة بنفسها تتابع الملف ولن يتركوا مليما واحدا حقا للدولة إلا ويستردوه، وأن قضيتهم ليست مع وزير الزراعة.
المعركة الثالثة مع الدولة العميقة هى انتخابات مجلس النواب القادمة، فهناك أكثر من لوبى مصالح يريد الدخول بكل قوته للانتخابات، وهناك مؤسسات سيادية فى الدولة تضغط على الرئيس أن يكون له ظهير سياسى ممثلا فى حزب يدخل الانتخابات، لكن الرئيس يرفض تماما فكرة الظهير السياسى، ويريد أن يخوض الجميع تجربته الانتخابية بشكل ديمقراطى حتى لا نعود إلى دولة الحزب الواحد. الأزمة التى يواجهها الرئيس أن جماعات المصالح تدفع بقوة لدعم حزب الفريق أحمد شفيق، وطبقا لخصوصية مصر، الوطن لا يتحمل حزب أغلبية فى البرلمان يرأسه رجل من نفس المؤسسة العسكرية التى خرج منها الرئيس، جماعات المصالح تضغط على الرئيس بحزب شفيق حتى تحمى مصالحها، فالفريق شفيق يمثل القائد المثالى لكل أبناء مبارك والدولة القديمة.
المعركة الرابعة مع الدولة العميقة ستبدأ قريبا مع إعادة هيكلة منظومة الضرائب فى مصر، وهذا بالطبع سيؤدى إلى غضب بعض الموظفين الكبار الذى يستفيدون من التهرب الضريبى، وغضب بعض رجال الأعمال الذين يأكلون المليارات على المصريين، هل تعلم أن صندوق النقد الدولى أثناء مفاوضاته مع مصر قال إن رجال الأعمال المصريين يجب أن يدفعوا ضرائب قدرها 650 مليار جنيه فى السنة لا يدفعون منها سوى 5 مليارات جنيه فقط؟
هل تعلم أن رجال الأعمال يساهمون بنسبة 75% من الناتج المحلى رغم أن مأمورية كبار الممولين تحصّل 150 مليار جنيه معظمها من الشركات الحكومية، ورجال الأعمال والشركات الخاصة يدفعون 5 مليارات جنيه فقط...!
هل تعلم أن إعادة هيكلة هذه المنظومة الفاسدة ستعجل بحرب قوية من الدولة العميقة ضد الرئيس؟..
المعركة الخامسة هى المسجونون فى قضايا سياسية أو المحبوسون ظلما وهم آلاف وينتظرون قرار العفو من الرئيس قبل 25 يناير، وتحويل هؤلاء الشباب إلى عناصر فاعلة فى المجتمع بدلا من صناعة ثأر بينهم وبين الدولة، وهذا القرار سيواجه مقاومة من الدولة العميقة أيضا التى تريد الانتصار للدولة البوليسية على حساب «لم» شمل المصريين تحت راية واحدة.
إن مصر تحتاج الآن إلى مذبحة قلعة جديدة ينتهى منها الرئيس فى يوم واحد، مذبحة ليست دموية، لكن مجموعة من القرارات السياسية والاقتصادية لمواجهة مراكز القوى فى كل مؤسسات الدولة، وإلا ستزحف هذه المراكز لتحيط مؤسسة الرئاسة مثل السرطان الذى ينخر فى جسد الدولة، وتؤدى بنا إلى سيناريو يخشى الجميع من مجرد تخيله، والسيسى هو الرجل القوى الوحيد القادر على عمل هذه المذبحة، فوراءه أكبر وأقوى مؤسسة فى مصر وهى المؤسسة العسكرية، ولديه شعبية ضخمة تجعل الشارع متعاطفا معه، والأهم من ذلك أن لديه حلما كى تتحول مصر إلى ذلك الوطن الذى فى خاطرنا وليس الذى نشاهده فى الفضائيات.