محمود عبد العزيز يواصل جنون الموهوب فى «باب الخلق» وعادل أديب يولد من جديد



قبل أن تقرأ..

هذا مقال يعبر عن انطباع مبدئى عن مسلسل «باب الخلق» فقد عرض منه حتى الان 7 حلقات، ولم أشاهد منها سوى أربع طبقا لمواعيد النشر بالجريدة، فمن الصعب أن تكتب عملا نقديا عن مسلسل قبل أن تشاهده كاملا، أو على الأقل نصف الحلقات.

«باب الخلق» فيه بريق خاص يجبرك على الكتابة، وطزاجة غير معهودة فى الدراما المصرية، وأداء تمثيلى يقوده المعجون بماء الموهبة محمود عبد العزيز، فهو مثل البئر التى لا تنضب كلما حصلت منها على إبداع تزداد عمقا يوما بعد يوم. فى الحلقة الأولى تمهد الأحداث لظهور محفوظ زلطة أو الأمير أبو عبدالله القادم من «أفغانستان» أو جبال وسط آسيا كما حلا للسيناريو توصيفها، حتى يبتعد عن تحجيم الموضوع فى إطار معين، طريقة السرد دائما فى شكلها الكلاسيكى تنقسم إلى ثلاث مناطق الأولى المنطقة الشرحية التى تمهد الطريق لك كمشاهد وتضع لك تعريفاً مبسطاً للشخصيات الرئيسية والثانوية، ثم تبدأ الأحداث فى التصاعد لنصل إلى العقدة الدرامية أو ذروة الأحداث، ثم تبدأ الخيوط فى التفكك لنصل إلى النهاية.

الحلقة الأولى كانت تمهيدا للمنطقة الشرحية بشكل فيه مط وتطويل إلى حد ما لنرى مشاهد من أماكن وأزمنة مختلفين، حول الأمير ابو عبدالله الإرهابى الذى تنتظره الأجهزة الأمنية فى مصر والجماعات الدينية وأطراف اللعبة السياسية، فالانطباع المبدئى يوحى لك أنه محور كل الأحداث، وأصبح مسار تفكير كل الشخوص الرئيسية والثانوية، لكن مع مرور الأحداث فى الحلقات اللاحقة نرى أن أبو عبدالله أو محفوظ زلطة ربما يتحول إلى أداة فى يد الاخرين، ويسعى الجميع لتحقيق مكسب شخصى على حسابه، فهو قابل للتوصيف والإدانة، يستطيع أى أحد أن يصنع منه بطلا أو إرهابياً، قد يكون مجرماً حقيراً أو ملاكاً بريئاً، ولكل توصيف مصلحة شخصية لطرف فانتزاع الاعترافات منه يصنع بطولة للجهاز الأمنى، وابتعاده عن شقيقه القيادى بالحزب الوطنى مكسب له، وصناعة بطل منه تدعم الجماعات الدينية، وخروجه من المعتقل يجعل من المحامى نجم شباك يصنع المعجزات، لذا من الطبيعى أن تتصارع جميع هذه الأطراف فى الحلقات المقبلة ويظل محفوظ زلطة هو ذلك الكائن الغامض للجميع.

الموضوع أكثر بساطة من هذا فرغم أن ملامحه تبعث على الرعب طبقا للصورة النمطية التى صنعها الإعلام عمن شارك فى الحرب الأفغانية الروسية، إلا أنه مواطن بسيط يدرس اللغة العربية وفقد تحويشة العمر فى شركات توظيف الأموال الإسلامية، وعلى يد محام يسافر إلى افغانستان متصورا أنه وجد عقد عملاً جيداً، فيما بعد يعود لنا هذا المحامى “عزت أبو عوف” فى أداء مميز وقد أصبح واحدا من المشاهير، الحكومة باركت سفر «زلطة» إلى أفغانستان، وفق الخطة الأمريكية لدعم الحرب الإسلامية المقدسة ضد «السوفيت» الكفرة، وبعدما تحول هؤلاء إلى إرهابيين، رفضت الحكومة المصرية عودتهم وأصبحوا ايضا إرهابيين ومن بينهم «زلطة»، هذه المواصفات بالتأكيد مستفزة لموهبة متدفقة مثل موهبة «الساحر»، جعلته يمثل بكل قطعة فى جسده، يذوب فيها ويقع فى عشقها لدرجة تجعل من المستحيل أن تفرق بينه كممثل وبين محفوظ زلطة.

كل هذا داخل إطار من جماليات الصورة وكادرات مختلفة للمخرج عادل أديب ومدير التصوير، فقد صنعوا صورة أقرب فى جمالها للسينما، واستخدم عادل أديب طريقة سرد شاعرية رغم قوة وعنفوان الموضوع، واستطاع عادل أديب الحفاظ على إيقاع جيد تجاوز به مشكلة كان يعانى منها فى أعماله السابقة، فى هذه المرة يبدو عادل أديب أكثر صرامة فى المونتاج، وهذا ماكان ينقصه فى فيلم «ليلة البيبى دول»، وأكثر استيعابا للسيناريو الذى كتبه محمد سليمان وتجاوز به أخطاءه السابقة كمخرج.

عاب على السرد المباشرة فى وضع لوحات لأماكن الأحداث وتواريخها دون أن يراهن المخرج على التفاصيل داخل الكادر التى يمكن أن تقول المكان والزمان دون الطرح المقالى، ورغم أن الموسيقى كانت من أقوى عناصر العمل إلا أن بعض التيمات كانت مأخوذة من فيلم «تانجو» للمخرج الكبير «كارلوس ساورا»، ولقطات حى باب الخلق كانت تحتاج أكثر إلى مزيد من التأمل فى تفاصيل الحى وموسيقى مصرية أو شرقية وليست غربية، استخدم المخرج الكاميرا المحمولة فى بعض هذه اللقطات لتعطى شعورا بالواقعية لكن المغامرة لم تكتمل بمزيد من استخدام الكاميرا المحمولة، ولجأ إلى الحلول السهلة، لكن فى الحلقة الرابعة حاول المخرج استعراض الحى بشكل أكثر تفصيلا وعمقا. . تجاوز المسلسل اثنين من أهم الأخطاء التى تعانى منها الدراما المصرية حتى الان، الأول هو المكياج فقد بدت لحية زلطة وأبو حفص حقيقية، وليست مثل «فراء الخروف» الذى تعودنا عليه، والملابس التى صممتها ناهد نصرالله حقيقية وغير قادمة من المخازن التى تعودنا عليها بأسوأ أزياء، فحينما تصمم الملابس فنانة مثل ناهد نصرالله فتوقع منها مستوى يقترب من جمال ودقة فيلم «باب الشمس» ليسرى نصرالله، مازاد جمال الصورة هو عملية تصحيح الألوان التى تمت فى باريس وظهرت الألوان بشكل رائع، لكن للأسف لم يستخدمها المخرج حتى الان فى خدمة الدراما، كل هذه التفاصيل والعناصر تؤكد أن هناك إنتاجاً قوياً انطلق للخارج للبحث عن أماكن تصوير مختلفة، وأنفق ميزانية المسلسل على جودة العمل فقط.