احمد فايق يكتب: مصارعة العبيد
يحمل رمضان فى حى شبرا نكهة مختلفة عن بقية أحياء مصر، رغم أن أكبر نسبة مسيحيين فى القاهرة تجدها فى شبرا، فقد تحول رمضان من طقس إسلامى نصوم ونتعبد فيه، إلى ثقافة شعبية تجمع المسيحى والمسلم.. المتدين والأقل تدينا، بالنسبة للبعض رمضان هو الصلوات الخمسة والتراويح والتهجد بالمسجد وتوزيع الصدقات وإقامة مآدب الإفطار للأقارب والأصدقاء والفقراء، ولا يخلو الأمر من مسلسل أو برنامج مثير، بالنسبة للبعض الآخر رمضان هو صلاة، وصوم ومسلسلات وسحور فى الحسين ولعب الكرة قبل الإفطار، رمضان بالنسبة لبعض المسيحيين الذين أعرفهم صيام ظاهرى أمام المسلمين احتراما لمشاعر الطرف الآخر، وعزومات ومسلسلات وسهر وبرامج، حينما تتجول على قدمك فى دوران شبرا بعد الإفطار، تستطيع أن تعرف لماذا منحنا الله شهر رمضان، الأصوات تختلط فى أذنك مابين نرد الطاولة وقطعة الدومينو وأغانى أم كلثوم وعبد الحليم وصوت عبد الباسط عبدالصمد وهو يتلو القران الكريم، وصوت الترانيم الكنسية، فالبشر يختلفون ولا يوجد أحد يشبه الآخر، ولو كنا متشابهين لما أصبح للحياة طعم أو معنى، فى دوران شبرا لا ينزعج أحد من تصرفات الآخر، ولا يصادر أحدهم الاخر، فمن يريد أن يسمع القران لا ينزعج من صوت نرد الطاولة، فالفضاء واسع ويستوعب الجميع، ليس مطلوبا منا أن نعيش كل حياتنا داخل المسجد، وليس أيضا من الطبيعى أن نعيشها كلها فى قاعة السينما.
ليس من الطبيعى أن تكون كل مسلسلات رمضان تاريخية أو دينية أو اجتماعية، ولا نستطيع أن نأكل نوع طعام واحدا بقية العمر، فالإنسان متمرد بذاته ويعشق التغيير، لو تجول السياسين والنخبة التى تحكمنا فى شارع شبرا، ووجدوا كيف يعيش أبناءها، لقبلوا الاخر وأصبحوا يعيشون مثل الشبراوية يقبلون بعضهم البعض، يشعرون بأنهم ينتمون لمكان واحد، الشبراوى تستطيع أن تعرفه من خفة دمه وقدرته على التواصل مع الآخرين، الشبراوى بطبعه خدوم ويحب مدينته ويقع فى غرامها، هذه مواصفات ستجدها فى أغلب الشبراوية المسلمين والمسيحيين وبعض الأجانب الذين تبقوا فيها.
المزعج فى المشهد السياسى الآن أن كل طرف يريد أن يذبح منافسه ويقضى عليه تماما، لا مساحة بينهما للتفاوض أو حتى الوصول لمنطقة وسط، الفلول يريدون القضاء على شباب الثورة والإسلاميين أيضا بشكل كارتونى، ووصل الأمر ببعضهم إلى اليوم الذى يحلمون فيه بإلقاء أعدائهم أسفل الدبابات ويدوسون عليهم بها، الليبراليون يريدون إلقاء الإسلاميين فى السجون والمعتقلات، الإسلاميون يريدون تطبيق حد الردة على الليبراليين، هذه هى المشاعر الحقيقية التى تحكم القوى السياسية فى مصر الآن، والتى تسمعها فى كل مكان وشعرت بالملل منها، بالتأكيد هم لا يدركون أنه لم ولن يقضى طرف على الآخر بشكل كامل، هل تتذكرون فرحة الليبراليين حينما صدر حكم الدستورية العليا بحل مجلس الشعب، انتابهم شعور لم يناقضه بنفس القوة إلا فوز محمد مرسى بالرئاسة، هل تتذكرون فرحة الإسلاميين بقرار مرسى بعودة مجلس الشعب، هو أيضا شعور لم يناقضه بنفس القوى إلا بحكم الدستورية الثانى بوقف قرار رئيس الجمهورية.
فى البطولات الرياضية تفوز الفرق وتهزم وتعود لتفوز من جديد، وهذه هى متعة الرياضة، من المستحيل أن تظل البرازيل بطلا لكأس العالم طوال الحياة، الفوز فى كرة القدم له طعم والهزيمة أيضا جزء من المتعة، ولو ظللت تفوز طوال عمرك لن يكون الأمر ممتعا لك، فى فيلم «المصارع» الشهير لراسل كرو العبيد يتصارعون مع بعضهم البعض، ونهاية المباراة تعلن بعد مقتل أحد المتنافسين، فهناك فارق كبير بين مصارعة العبيد فى العصر الرومانى، وحياة البشر المرتبطة بإشارة من الحاكم، وبين المصارعة الرومانية التى نشاهدها فى الأوليمياد الآن، فالجمهور يصفق للاثنين بعد مصافحتهما بعضهما البعض الفائز والخاسر.
أشعر أن القوى السياسية فى مصر اختارت مصارعة العبيد، وكلا منها يريد أن يقتل الآخر، وحياته مرتبطة بإشارة، هى نفسها الإشارة التى تأتى من المجلس العسكرى، فعندما يميل لطرف ما فى المعادلة، فإن هذا الطرف يشعر بأنه الأقوى ويريد أن يسحق من حوله، ثم يعود المجلس ليدعم طرف آخر، وتتحول المعادلة، هذه هى قواعد اللعبة التى تنتمى للعصر الرومانى، فلا يصبح للدم ثمن والألم معنى.