تفسير سورة البقرة من الأية (70) الى الآية (76)

إسلاميات


{70} قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ

قَالُوا اُدْعُ لَنَا رَبّك يُبَيِّن لَنَا مَا هِيَ أَسَائِمَة أَمْ عَامِلَة إنَّ الْبَقَر أَيْ جِنْسه الْمَنْعُوت بِمَا ذُكِرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا لِكَثْرَتِهِ فَلَمْ نَهْتَدِ إلَى الْمَقْصُودَة وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّه لَمُهْتَدُونَ إلَيْهَا وَفِي الْحَدِيث (لَوْ لَمْ يَسْتَثْنُوا لَمَا بُيِّنَت لَهُمْ لِآخِرِ الْأَبَد)

{71} قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ

قَالَ إنَّهُ يَقُول إنَّهَا بَقَرَة لَا ذَلُول غَيْر مُذَلَّلَة بِالْعَمَلِ تُثِير الْأَرْض تُقَلِّبهَا لِلزِّرَاعَةِ وَالْجُمْلَة صِفَة ذَلُول دَاخِلَة فِي النَّهْي وَلَا تَسْقِي الْحَرْث الْأَرْض الْمُهَيَّأَة لِلزِّرَاعَةِ مُسَلَّمَة مِنْ الْعُيُوب وَآثَار الْعَمَل لَا شِيَة لَوْن فِيهَا غَيْر لَوْنهَا قَالُوا الْآن جِئْت بِالْحَقِّ نَطَقْت بِالْبَيَانِ التَّامّ فَطَلَبُوهَا فَوَجَدُوهَا عِنْد الْفَتَى الْبَارّ بِأُمِّهِ فَاشْتَرَوْهَا بِمِلْءِ مِسْكهَا ذَهَبًا فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ لِغَلَاءِ ثَمَنهَا وَفِي الْحَدِيث : (لَوْ ذَبَحُوا أَيّ بَقَرَة كَانَتْ لَأَجْزَأَتْهُمْ وَلَكِنْ شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسهمْ فَشَدَّدَ اللَّه عَلَيْهِمْ)

{72} وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ

وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهِ إدْغَام الدَّال فِي التَّاء أَيْ تَخَاصَمْتُمْ وَتَدَافَعْتُمْ فِيهَا وَاَللَّه مُخْرِج مُظْهِر مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ مِنْ أَمْرهَا وَهَذَا اعْتِرَاض وَهُوَ أَوَّل الْقِصَّة

{73} فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ

فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ أَيْ الْقَتِيل بِبَعْضِهَا فَضَرَبَ بِلِسَانِهَا أَوْ عَجَب ذَنَبهَا فَحَيِيَ وَقَالَ : قَتَلَنِي فُلَان وَفُلَان لِابْنَيْ عَمّه وَمَاتَ فَحُرِمَا الْمِيرَاث وَقُتِلَا لَمْ يُرِدْ تَعْيِين الْعُضْو الَّذِي ضُرِبَ بِهِ الْقَتِيل لِيَحْيَا وَلَا يَسَعنَا تَعْيِينه إلَّا بِخَبَرٍ صَحِيح مُعْتَمَد وَتَعْيِينه وَبِدُونِ سَنَد هُوَ مِنْ قَبِيل التَّخَرُّص لِأَنَّ ظَاهِر الْآيَة أَنَّ أَيّ عُضْو مِنْ الْبَقَرَة ضُرِبَ بِهِ الْقَتِيل أَعَادَ إلَيْهِ الْحَيَاة وَبَيَّنَ عَنْ قَاتِله كَذَلِكَ الْإِحْيَاء يُحْيِي اللَّه الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاته دَلَائِل قُدْرَته لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ تَتَدَبَّرُونَ فَتَعْلَمُونَ أَنَّ الْقَادِر عَلَى إحْيَاء نَفْس وَاحِدَة قَادِر عَلَى إحْيَاء نُفُوس كَثِيرَة فَتُؤْمِنُونَ

{74} ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ

ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبكُمْ أَيّهَا الْيَهُود صَلَبَتْ عَنْ قَبُول الْحَقّ مِنْ بَعْد ذَلِكَ الْمَذْكُور مِنْ إحْيَاء الْقَتِيل وَمَا قَبْله مِنْ الْآيَات فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ فِي الْقَسْوَة أَوْ أَشَدّ قَسْوَة مِنْهَا وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَة لَمَا يَتَفَجَّر مِنْهُ الْأَنْهَار وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّق فِيهِ إدْغَام التَّاء فِي الْأَصْل فِي الشِّين فَيَخْرُج مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِط يَنْزِل مِنْ عُلْو إلَى أَسْفَل مِنْ خَشْيَة اللَّه وَقُلُوبكُمْ لَا تَتَأَثَّر وَلَا تَلِين وَلَا تَخْشَع وَمَا اللَّه بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ وَإِنَّمَا يُؤَخِّركُمْ لِوَقْتِكُمْ وَفِي قِرَاءَة بالتحتانية وَفِيهِ الْتِفَات عَنْ الْخِطَاب

{75} أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ

أَفَتَطْمَعُونَ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَالْهَمْزَة لِلْإِنْكَارِ أَيْ لَا تَطْمَعُوا فَلَهُمْ سَابِقَة بِالْكُفْرِ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ أَيْ الْيَهُود وَقَدْ كَانَ فَرِيق طَائِفَة مِنْهُمْ أَحْبَارهمْ يَسْمَعُونَ كَلَام اللَّه فِي التَّوْرَاة ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ يُغَيِّرُونَهُ مِنْ بَعْد مَا عَقَلُوهُ فَهِمُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ مُفْتَرُونَ

{76} وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ

وَإِذَا لَقُوا أَيْ مُنَافِقُو الْيَهُود الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا بِأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيّ وَهُوَ الْمُبَشَّر بِهِ فِي كِتَابنَا وَإِذَا خَلَا رَجَعَ بَعْضهمْ إلَى بَعْض قَالُوا أَيْ رُؤَسَاؤُهُمْ الَّذِينَ لَمْ يُنَافِقُوا لِمَنْ نَافَقَ أَتُحَدِّثُونَهُمْ أَيْ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ أَيْ عَرَّفَكُمْ فِي التَّوْرَاة مِنْ نَعْت مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُحَاجُّوكُمْ لِيُخَاصِمُوكُمْ وَاللَّام لِلصَّيْرُورَةِ بِهِ عِنْد رَبّكُمْ فِي الْآخِرَة وَيُقِيمُوا عَلَيْكُمْ الْحُجَّة فِي تَرْك اتِّبَاعه مَعَ عِلْمكُمْ بِصِدْقِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ أَنَّهُمْ يُحَاجُّونَكُمْ إذَا حَدَّثْتُمُوهُمْ فَتَنْتَهُوا