فهمي هويدي يكتب : قلق من تمصير الأزهر
منذ شهر تقريبا يتعرض المسلمون فى ميانمار (بورما سابقا) لمذبحة مروعة يتجاهلها الجميع، بحيث لم تكترث بها المنظمات الدولية أو الأزهر الشريف. صحيح أن بعض التقارير أشارت إليها، كما سمعنا صوتا للأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامى دعا إلى وقف المذبحة لكن ذلك كله ظل بلا صدى. ووقف الكل متفرجين على ما يجرى لملايينهم الخمسة.
مأساتهم ليست جديدة، فمنذ إعلان استقلال «بورما» فى عام 1948، لم يعترف الدستور بأولئك المسلمين الذين يعيشون فى إقليم أراكان ويعرفون باسم «الروهينجا» بدعوى أن أجدادهم لم يكونوا من سكان البلد الأصليين، ومنذ ذلك الحين لم تتعامل معهم السلطة أو الأغلبية البوذية كمواطنين. وظلوا طول الوقت عرضة للاضطهاد والإقصاء ومهددين بالطرد إلى ما وراء الحدود. بوجه أخص فإن الحكم العسكرى الذى استولى على السلطة فى عام 1962 مارس بحقهم التطهير العرقى، وطرد منهم إلى الجارة بنجلاديش دفعات على فترات متفاوتة تراوحت بين 150 ألفا ونصف مليون مسلم. وشجعت تلك الحملات غلاة البوذيين على الاعتداء على ممتلكاتهم وإحراق بيوتهم وزراعاتهم، وممارسة مختلف صور العنف الجسدى بحقهم.
منذ استقلال بورما ومسلمو الروهينجا محرومون من مواصلة التعليم فى الجامعات، وممنوعون من التوظف فى الحكومة، وممنوع من السفر إلى الخارج، حتى إذا كان ذلك لأداء فريضة الحج. بل إنهم ممنوعون من الانتقال من قرية إلى أخرى، ومحظور عليهم دخول العاصمة رانجون. فقط هم مطلوبون كجنود فى الجيش توكل إليهم الأعمال الشاقة مثل شق الطرق وردم الأنهار وإقامة الجسور. أما تجارهم فيدفعون ضرائب باهظة والمزارعون منهم لا يجوز لهم بيع محاصيلهم إلا للجيش. ومن يخالف هذه التعليمات مصيره السجن. وعقوبته قد تصل إلى الإعدام.
ظل الأصل هو اضطهادهم والتنكيل بهم لمجرد أنهم مسلمون غير مرغوب فى وجودهم. وحين يرتكب بعضهم أى خطأ فإن الجميع يتعرضون لأقسى العقوبات. وهو ما حدث فى شهر مايو الماضى حين تم اغتصاب امرأة بوذية وقتلها، وقد اتهمت الشرطة ثلاثة مسلمين فى الجريمة، الأمر الذى أثار ثائرة الغوغاء والغلاة البوذيين الذين هاجموا بيوت الروهينجا وقتلوا عشرات منهم. وكما ذكرت منظمة هيومان رايتس ووتش فإن قوات الأمن أطلقت يدها فى اعتقال العشرات منهم وتدمير بيوتهم. وحين تجاسر نفر من الروهينجا وردوا العدوان الواقع عليهم وصفتهم وسائل الإعلام بأنهم إرهابيون وخونة وأعلنت الحكومة حالة الطوارئ بحجة وقف العنف. وفى الوقت نفسه، استخدمت قوات أمن الحدود لحرق المنازل وقتل الفارين الذين كانوا يحاولون الهروب إلى بنجلاديش. وأعلن أن الحكومة عرضت حل الإشكال عن طريق طرد كل السكان الروهينجا أو دفع الأمم المتحدة إلى إعادة توطينهم، وهو الاقتراح الذى رفضه مسئول الأمم المتحدة على الفور.
وسائل الإعلام الآسيوية سجلت مشاهد مروعة من قصص الطرد والملاحقة والقمع التى تعرض لها أولئك المسلمون، التى لم ترحم شيخا أو امرأة أو طفلا. وتناقل اليوتيوب صور بيوتهم المحترقة وجثث قتلاهم المشوهة ونسائهم اللاتى تعرضن لمختلف صور التعذيب فضلا عن الاغتصاب. وهى الممارسات التى قوبلت بالصمت واللامبالاة من جانب المنظمات الدولية وعواصم الدول الكبرى.
هذا الأسبوع أطلق أحد الأشخاص النار على رواد إحدى دور السينما فى ولاية كلورادو الأمريكية، وأدى ذلك إلى قتل 14 شخصا وإصابة خمسين آخرين. فعمم الخبر على العالم وظلت وكالات الأبناء تبث تفاصيله وأصداءه على مدى ثلاثة أيام متوالية، لكن تلك الوكالات لم تنقل شيئا من أخبار المذبحة البشعة الحاصلة فى ميانمار منذ أكثر من شهر.
السؤال الذى يشغلنى ليس موضوعه عدم اكتراث المنظمات الدولية بما يلقاه المسلمون الروهينجا من عذابات، حيث ذلك ليس مفاجئا تماما، ولكنه لماذا يصمت العالم الإسلامى ولا يرفع صوته مستنكرا أو داعيا إلى حماية أرواح أولئك المسلمين البؤساء. أيضا يحيرنى سكوت الأزهر الذى يعد أحد أهم المؤسسات الدينية فى العالم الإسلامى. الذى انضم إلى المتفرجين ولم تصدر أية إشارة تعبر عن الاستنكار أو الاستياء.
إننى أخشى على الأزهر من «تمصيره» واستغراقه فى الشئون الداخلية، بما يجعله يتجاهل هموم المسلمين فى الخارج، الأمر الذى يسحب من رصيده كمنارة للعالم الإسلامى لم تغب عنه طوال القرون التى خلت. وأستحى أن أقول إن الساحات التى يغيب عنها الأزهر فى ذلك العالم، تتقدم فيها على الفور المؤسسات الإغاثية الكاثوليكية لكى تثبت حضورها لأهداف وغايات أخرى بطبيعة الحال.