دكتور أشرف إسماعيل عزب يكتب: مبررات استبعاد الإعلان المكمل من رقابة القضاء

مقالات الرأي


قضت محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة بجلستها المعقودة يوم الخميس الموافق 19 يوليو 2012 بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الطعون المقامة لإلغاء قرار رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإصدار إعلان دستورى مكمل فى أعقاب حل مجلس الشعب 0

ولما كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة يملك سلطة إدارة شئون الحكم فى البلاد بمقتضى الإعلان الدستورى الأول الصادر بتاريخ 13 فبراير 2011 ، والإعلان الدستورى الثانى الصادر بتاريخ 30 مارس 2011، وبما فيها سلطة إصدار التشريعات الدستورية وتعديلها ، فالحقيقة التى لامراء فيها أن هذا المجلس يملك تلك السلطات جميعها استناداً إلى سلطة الأمر الواقع التى فرضتها أحداث ثورة 25 يناير المجيدة ، وهذا ما أكدته صراحة المحكمة الإدارية العليا فى أحـــــــد الأحكام الصادرة عنها 0

ونعتقد أن حكم محكمة القضاء الإداري المنوه عنه قد أصاب وجه القانون على اعتبار أن قرار رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإصدار الإعلان الدستورى المكمل لا يعد على الإطلاق قراراً إدارياً ، حتى يختص القضاء الإدارى بنظر دعاوى الإلغاء الموجهة ضده أو طلبات التعويض عن الأضرار التى تصيب الأفراد نتيجة له ، ولكن المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد أصدر هذا القرار بوصفه سلطة حكم وليس سلطة إدارة 0

والجدير بالذكر فى هذا المقام أن هناك نظرية مستقرة فى القضاء المصرى بوجه عام سواء القضاء الإداري أو العادى أو الدستورى تعرف بنظرية أعمال السيادة ، فقد نصت المادة (17) من قانون السلطة القضائية الصادرة بالقانون رقم (46) لسنة 1972 على حصانة أعمال السيادة وخروجها عن ولاية المحاكم ، كما نصت المادة (11) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم (47) لسنة 1972 على عدم اختصاص محاكم مجلس الدولة بالنظر فى الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة 0

ولئن كان قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم (48) لسنة 1979 لم ينص صراحة على استبعاد هذه الطائفة من الأعمال من رقابة الدستورية غير أن القضاء الدستورى قد عرف نظرية مماثلة لها يطلق عليها الفقة الدستورى الأعمال السياسية حيث أخرج تلك النوعية من الأعمال من نطاق رقابته القضائية على الشرعية الدستورية ، ومن ثم يرفض أن يبسط رقابته عليها ،قاضياً فى ذلك بعدم قابلية تلك النوعية من الأعمال للفصل فيها عن طريق القضاء 0

وقد قضت المحكمة العليا (الدستورية) بأنه تحصين أعمال السيادة من رقابة جميع جهات القضاء سواء العادى أو الإدارى أو الدستورى لا يخالف أحكام الدستور ، ولا يحتاج إلى نص قانونى يقرره ، واستندت فى ذلك على أن استبعاد أعمال السيادة من ولاية القضاء مرده إلى إتصالها بسيادة الدولة فى الداخل والخارج فهى لا تقبل بطبيعتها أن تكون محلاً للتقاضى لما يحيط بها من اعتبارات سياسية تبرر تخويل السلطة التنفيذية سلطة تقديرية أوسع مدى وأبعد نطاقاً تحقيقاً لصالح الوطن وأمنه وسلامته ، دون تخويل القضاء سلطة التعقيب على ما تتخذه من إجراءات فى هذا الصدد ، لأن ذلك يقتضى توافر معلومات وعناصر وموازين تقدير مختلفة لا تتاح للقضاء ، وذلك فضلاً عن عدم ملاءمة طرح هذه المسائل علناً فى ساحات القضاء 0

ولما كانت هذه الاعتبارات التى اقتضت استبعاد أعمال السيادة من ولاية القضاء العادى والإدارى قائمة فى شأن القضاء الدستورى ، ومن ثم يتعين استبعاد النظر فى هذه الأعمال من ولاية المحكمة العليا دون حاجة إلى نص يقضى بذلك ، فهى قاعدة استقرت فى النظم القضائية فى الدول المتحضرة وغدت أصلاً من الأصول القضائية الثابتة 0

وتقوم نظرية أعمال السيادة فى الأساس على أن السلطة التنفيذية تتولى وظيفتين : إحداهما، بوصفها سلطة حكم والأخرى بوصفها سلطة إدارة ، وتعتبر الأعمال التى تقوم بها السلطة التنفيذية بوصفها سلطة حكم من قبيل أعمال السيادة ، والأعمال التى تقوم بها بوصفها سلطة إدارة أعمال إدارية 0

وفى النهاية نتمنى من الشعب المصرى بجميع أطيافه المختلفة بصفة عامة ، ورئيس الجمهورية بصفه خاصة أن يسلم بسياسة الأمر الواقع ، فضلاً عن تحمل المرحلة الانتقالية الاستثنائية التى تمر بها البلاد فى الوقت الراهن بمزاياها وعيوبها ، دون إثاره الأزمات والفتن فى المجتمع المصرى ، وذلك حتى الإنتهاء من اعداد الدستور الجديد واستفتاء الشعب عليه ، والذى سوف يؤدى بمشيئة الله إلى تحقيق الإستقرار السياسى والاقتصادى والاجتماعى الذى نأمله جميعاً 0

حفظ الله مصر وشعبها العظيم