احمد فايق يكتب : المجد لشهداء مصر.. والجزائر

مقالات الرأي



تبعد مصر عن الجزائر أكثر من أربع ساعات بالطائرة، لكنها ثقافيا لا تبعد أكثر من ثوان معدودة، فقد كبر الجزائريون على أغانى أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وأفلام يوسف شاهين وصلاح أبو سيف، وأتذكر وقت أزمة مباراة كرة القدم المفتعلة أن بعض محلات بيع شرائط الكاسيت فى الجزائر منعت ألبومات المطربين المصريين باستثناء عبد الحليم وأم كلثوم، وقلت للبائع الجزائرى لماذا هؤلاء؟

فقال «لقد قاطعنا المصريين ولكن أم كلثوم وعبد الحليم ليسوا مصريين هم ملك لكل العرب»، مرت أزمة الكرة بسلام بعدما أيقنت الشعوب أن هناك من يتلاعب بهم وبأحلامهم وطموحاتهم، وعادت العلاقة بين الشعبين كما كانت من قبل، هذه المرة زرت مدينة وهران بالجزائر للاحتفال بمرور 50 عاما على استقلال الجزائر، والاستقبال كان فيه حفاوة كبيرة من المواطنين البسطاء، يتابعون على المقاهى تطورات الأحداث السياسية بمصر بنفس شغف متابعة مباريات كأس الأمم الأوروبية، وجدت تنوعا فى وهران يوازى نفس التنوع فى مصر، فقد وجدت والد صديقى الصحفى الجزائرى حمزة بوحارة الذى يتمنى زيارة مصر من أجل الصلاة مع الشيخ محمد حسان، وجدت مثقفين يلعنون اليوم الذى أصبح فيه رئيس مصر منتميا لجماعة الإخوان المسلمين، مؤكدين لى أننا فى طريقنا لدولة الخلافة، وجدت شبابا يهنئونى على فوز محمد مرسى بالرئاسة معتبرين أنه انتصار للثورة، العوامل المشتركة كثيرة لكن أهم ما لاحظته فى الشارع الجزائرى أن هناك نسبة كبيرة من الشباب لديها طاقة لا تجد متنفسا لها سوى الحفلات الموسيقية ومباريات كرة القدم، هؤلاء الشباب يطمحون فى معيشة أفضل وحرية ويتمتعون بمستوى تعليمى عال ويتقنون اللغات ويتابعون كل ما يحدث فى العالم كأنه يحدث فى الجزائر.

اختار المجلس الشعبى البلدى لمدينة وهران أن تستمر الاحتفالات طوال عشرة أيام عن طريق حفلات غنائية تشارك فيها 19 دولة، بالإضافة إلى المطربين العرب والأجانب مثل «الشاب خالد» و«الشاب مامي» و«كاظم الساهر» و«نجوى كرم» و«الشاب بلال».

شاركت من مصر فقط فرقة التنورة التابعة لوزارة الثقافة المصرية وهو تمثيل رسمى محدود، شعرت بالحزن قليلا حينما أرى آلاف الجزائريين يحتفلون بمرور خمسين عاما على استقلالهم دون أن تشاركهم مصر هذه الاحتفالات، ولا أعرف من المسئول عن هذا، لكن الأكيد أن مصر كانت الراعى الدولى الأكبر للثورة الجزائرية، وأعلنت فى القاهرة أول حكومة جزائرية ومقرها فى جاردن سيتى، ولا أدرى ماذا حدث طوال الأعوام الماضية حتى يتراجع دور مصر الثقافى والسياسى فى الجزائر لهذه الدرجة، وأتمنى أن تعود مصر لانتمائها القومى العربى الأول، ومن كانوا مسئولين عن هذا الغياب الآن هم فى سجن طرة ينالون عقابهم تجاه أخطائهم التى لن يغفرها لهم التاريخ.

فى افتتاح الاحتفاليات بوهران عرض فيلم وثائقى مدته خمس دقائق وفيه لقطة للشهيد أحمد زبانة أحد أشهر الشهداء فى الثورة الجزائرية، وصفق الحضور حينما ظهرت صورته تكريما له، فمن قدم عمره لوطنه لا يستطيع أحد أن يمحو,ه من الذاكرة ولو بعد خمسين عاما، وهذا ما جعلنى أشعر بالسعادة لأن المصريين لن ينسوا شهداء ثورتهم من خالد سعيد لمصطفى الصاوى ومينا دانيال والشيخ عماد عفت، فالقتلة يذهبون لمزبلة التاريخ والمجد دائما للشهداء فى حفل الافتتاح وقف الجميع عندما بدأ عزف النشيد الوطنى الجزائري «قسما بالنازلات الماحقات» الذى كتبه الشاعر مفدى زكريا ولحنه محمد فوزى، نعم محمد فوزى هو من لحن النشيد الوطنى الجزائرى ليعرف الجميع كيف كانت العلاقة بيننا وإلى أين ذهب بنا مشروع التوريث وإلهاء الشعوب بقضايا سطحية.

اليوم يمر 50 عاما على ثورة الجزائر فهنيئا لهم باستقلالهم والرحمة لمليون ونصف المليون شهيد من الجزائر وآلاف الشهداء من مصر أيضا الذى دفعوا أرواحهم من أجل تحرير الجزائر، ولا أدرى لماذا لا تحتفل مصر بشهدائها فى ثورة الجزائر.. فقد دفعنا الكثير من أجل هذه الثورة الكبيرة.

طاقة الشباب الكبيرة فى حفلات الاستقلال وقوتهم وعنفوانهم ورغبتهم فى بناء الوطن التى شاهدتها بعينى، لا تختلف كثيرا عن طاقة الشباب فى مصر، هناك جيل جديد لديه مفاهيم مختلفة ويحلم بشكل أفضل للمستقبل ويعى ماذا يفعل، وعلى الآخرين أن يستوعبوا هذه الطاقة بشكل إيجابى فى بناء المستقبل ولو لم يفعلوا هذا فستنفجر هذه الطاقة فى وجوههم.