حسن نافعة يكتب: سلطات وصلاحيات الرئيس المنتخب
حسن نافعة يكتب:
لا يجوز لهيئة غير منتخبة أن تجور على سلطة هيئة منتخبة أو تقيد من صلاحياتها. تلك هى القاعدة العامة المعمول بها فى كل النظم السياسية والدستورية التى حرص المجلس الأعلى للقوات المسلحة على مراعاتها عند إصداره الإعلان الدستورى عقب استفتاء مارس 2011. صحيح أن هذا الإعلان منح المجلس الأعلى للقوات المسلحة حق الجمع فى البداية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، لكنه حرص فى الوقت نفسه على النص صراحة على ضرورة نقل سلطة التشريع فوراً وبالكامل إلى مجلس الشعب عقب انتخابه.
لو أن عملية بناء مؤسسات النظام السياسى الجديد كانت قد سارت فى طريقها الطبيعى لتعين على المجلس الأعلى للقوات المسلحة تسليم السلطة التنفيذية إلى رئيس الدولة المنتخب عقب حلفه اليمين مباشرة وعودة الجيش إلى ثكناته، تأكيداً على انتهاء المرحلة الانتقالية واكتمال عملية بناء مؤسسات النظام السياسى الجديد لمرحلة ما بعد الثورة. غير أن التعثر فى إدارة هذه المرحلة، والذى كان أحد مظاهره حل مجلس الشعب عقب صدور حكم من المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية القانون الذى انتخب على أساسه، أدى إلى تعقيد الأمور من جديد وارتباك عمل نظام وليد لم تكتمل عملية بناء مؤسساته.
ولأن مجلس الشعب المنتخب كان يقوم بأداء وظائف محددة فى مرحلة انتقالية لم تكن قد اكتملت بعد، من أهمها ضرورة أداء رئيس الجمهورية القسم أمامه بعد انتخابه، وسن القوانين وممارسة الرقابة على أداء الحكومة، فقد رأى المجلس الأعلى للقوات المسلحة ضرورة إصدار إعلان تكميلى لإعادة توزيع الاختصاصات على المؤسسات القائمة وملء الفراغ الذى تركه حل مجلس الشعب. وبموجب هذا الإعلان، أصبح على رئيس الدولة المنتخب أن يؤدى القسم أمام الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا، وأن يمارس المجلس الأعلى بنفسه سلطة التشريع إلى أن يتم انتخاب مجلس شعب جديد. غير أن الإعلان المكمل لم يقتصر على تنظيم هاتين المسألتين، وإنما تناول أمورا أخرى عديدة كان من أخطرها نصوص تقيد من سلطات وصلاحيات رئيس الدولة القادم، الذى لم يكن قد تم انتخابه بعد، وحصّن المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتشكيله الراهن وجعله خارج نطاق سلطات وصلاحيات الرئيس المنتخب، ما أصابه بعوار جعله فى حكم الباطل.
يفترض، كقاعدة عامة، أن يسرى الإعلان الدستورى سواء فى طبعته الأصلية أو التكميلية طوال مرحلة انتقالية يفترض أن تنتهى تماماً بمجرد أداء الرئيس المنتخب اليمين الدستورية. فبعد حلف اليمين يتعين أن تنقل إلى الرئيس المنتخب فوراً كامل السلطات والصلاحيات التى كان يتمتع بها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بما فى ذلك السلطة التشريعية التى يدعى أنه يحق له استعادتها بعد حل المجلس، وهو ادعاء باطل. ولأن رئيس الدولة فى كل النظم السياسية فى العالم، الديمقراطية منها وغير الديمقراطية، هو القائد الأعلى للقوات المسلحة والرمز المجسد لسيادة الدولة فى الوقت نفسه، فلا يجوز أبداً أن تخرج أى مؤسسة، بما فى ذلك المؤسسة العسكرية، عن نطاق سلطاته وصلاحياته أو تتصرف وكأنها دويلة مستقلة داخل الدولة. ولأن من أهم اختصاصات رئيس الدولة، باعتباره رأس السلطة التنفيذية، تعيين رئيس الوزراء والوزراء وكبار موظفى الدولة، فمن الطبيعى أن تمتد سلطته إلى جميع مواقع السلطة التنفيذية، وفى مقدمتها ما يطلق عليه الوزراء «السياديون» خاصة وزراء الدفاع والخارجية والداخلية والمالية، وأى انتقاص من هذه السلطات والصلاحيات يعد انقلاباً على الدستور. قد يقول قائل إنه من الخطورة بمكان تمكين شخص واحد، حتى لو كان منتخباً، من الجمع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، خصوصاً إذا كان ينتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين. وقد يكون فى هذا القول بعض الوجاهة وله ما يبرره إذا كان اشتراط عدم الجمع بين السلطتين يؤدى إلى نقل سلطة التشريع من جهة غير منتخبة إلى جهة منتخبة، أما أن يحدث العكس وتقوم جهة غير منتخبة بالاستحواذ دون وجه حق على سلطة التشريع، بحجة الفصل بين السلطات، فهذا يعد اغتصاباً واضحاً وصريحاً للسلطة.
لا بأس من استمرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة طرفاً فى معادلة السلطة حتى استكمال بناء بقية مؤسسات النظام، لكن يتعين عليه فى هذه الحالة أن يعمل تحت إمرة رئيس منتخب يتعين عليه بدوره أن يتشاور مع بقية القوى السياسية لإعلان تشكيل نهائى لجمعية تأسيسية يتعين عليها بدورها أن تنتهى من كتابة الدستور الجديد فى أسرع وقت ممكن حتى يمكن إجراء الانتخابات البرلمانية التى ستفرز الهيئة التى يتعين أن يعهد إليها بسلطة التشريع. أما أى كلام آخر فسيكون كلاماً أيديولوجياً ومغرضاً.