احمد فايق : دروشة «إيمان البحر» ومحاكم التفتيش فى نقابة الموسيقيين

مقالات الرأي



أصدر مجلس نقابة الموسيقيين قراره الثورى الأول بمنع المطربة اللبنانية «مروي» من الغناء وتحويلها للتحقيق الفوري، بسبب ما وصفه بيان إعلامى صدر من مجلس النقابة بأنها تعرت بشكل كامل أثناء تصوير فيلم «أحاسيس» أمام العاملين فى الفيلم، القرار الثورى اتخذته نقابة الموسيقيين قبل أن يستمعوا للطرف الآخر، وعن فيلم انتهى تصويره وعرض قبل عامين أى قرار بأثر رجعي، الغريب أن بعض الصحف هللت للخبر وأعطت له مساحات واسعة، باعتباره غزوا عظيما، وهى نوعية أخبار يعرفها الجميع يرسلها مندوب العلاقات العامة إلى بعض الصحف وتنشرها كما هى دون أن يفكروا فى الكارثة التى فعلتها النقابة المبجلة، فما فعله إيمان البحر درويش ومجلسه لا يدعو للفخر، ولكنه يبدو أنه تغطية إعلامية على المشاكل الحقيقية التى تواجهها النقابة، وربما يكون نفاقا للسلطة الدينية الجديدة فى مصر، نقابة الموسيقيين ليست رقيبا أو حارسا للأخلاق حتى تمنع مطربة أيا كان اسمها أو جنسيتها من العمل لسبب أخلاقي، وليست ايضا محكمة تفتيش تضع نفسها سلطة دينية أو مراقبا للآداب العامة، أحب أن أستمع إلى إيمان البحر درويش كمطرب وأعشق صوته، لكنى أختلف كثيرا مع أفكاره التى تذهب بالنقابة إلى دولة الخلافة الأخلاقية، فليس من المعقول أن يكون مجلس النقابة الذى أجمع على المنع أصبح متفرغا ولديه وقت كاف حتى ينصرف عن مشاكل الأعضاء، ويتجه إلى التفتيش عن فيلم تم تصويره وعرضه قبل عامين. والأكثر استفزازا أن مجلس النقابة اتخذ قرارًا بوقفها قبل التحقيق معها حسب البيان الصحفى الصادر عنهم، هل يعلم إيمان البحر درويش أن الواقعة لو كانت صحيحة لا تمتلك مباحث الآداب سلطة محاسبتها قانونا، لأن الواقعة سقطت بالتقادم، هل يستطيع أن يمنع شاكيرا إذا جاءت إلى مصر لأنها سبق وتعرت مئات المرات، أم سيكون فى مقدمة صفوف مستقبليها. لا أدافع عن مروى فى هذا الموقف ولا أحب أغانيها من الأساس، لكنى أدافع عن المبدأ، لأن أقصى سلطة عقاب تمتلكها نقابة الموسيقيين هى منع المطرب من ممارسة عمله، ومن المفروض ألا تمارس هذه السلطة قبل تحقيقات تشتمل كل وجهات النظر، ودفاع عن المتهم الذى هو فى الأساس بريء حتى تثبت إدانته، والأكثر أهمية من ذلك أنك لا يجوز أن تصدر قرارًا أخلاقيا على عمل فني، نعم ستجد الكثيرين يمدحون فيما فعلته، ويعتبرونك ناصرا للآداب العامة، وربما أجد الكثير ممن يهاجمون ماأكتبه وقد يعتبرونه دعوة للفسق والفجور، أو دفاعًا عن قضية خاسرة، لكن التاريخ سيقول إن هذا المجلس المبجل هو أول مجلس فى تاريخ نقابة الموسيقيين اتخذ قرارًا بمنع مغنية من الغناء لسبب أخلاقى غير مثبت حتى الآن وبأثر رجعي، مافعله مجلس نقابة الموسيقيين لا يختلف كثيرًا عن جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وهو قرار لا علاقة له بالعمل الفني، كما أن الواقعة حدثت اثناء تصوير فيلم، أى القضية كلها تخص نقابتى الممثلين والسينمائيين، والتصريح الذى تحصل عليه مروى للمشاركة فى التمثيل يصدر عن نقابة الممثلين وليس الموسيقيين، وصدور هذا الكلام فى بيان إعلامى هو تشهير بكل العاملين فى فيلم أحاسيس، وإهانة لهم وليس من حق أحد ممارسة وصاية أخلاقية عليهم، ماأعرفه وماكتبته قبل ذلك عن فيلم أحاسيس أنه فيلم فنيا ضعيف المستوي، يراهن على شريحة المراهقين، ولم أستطع أن أكمل مشاهدته فى السينما، ولكن هذا لا يعنى المنع والمصادرة والعقاب بأثر رجعي، وهو فيلم وافقت على تصويره الرقابة على المصنفات الفنية المصرية، والمبدأ الجديد الذى وضعه مجلس نقابة الموسيقيين يجعلنا نقيم محاكم تفتيش لناهد شريف وسهير رمزى وميرفت أمين وناهد يسرى وشمس البارودى وغيرهن ممن ظهرن فى مشاهد جريئة بالسينما المصرية، وفى هذه الحالة ربما تصدر نقابة الممثلين قرارًا بمنع ميرفت أمين من العمل والتحقيق معها فورا بسبب فيلم «أعظم طفل فى العالم»، وطالما طبقنا الأثر الرجعى فى عامين على مروى يمكن تطبيقه على عشرات السنوات، ويمكن أيضا منع كل من شارك فى معظم الأفلام المصرية التى صورت فى لبنان وتحديدا فى الفترة من نكسة يونيه وحتى نصر أكتوبر، وهل يستطيع نقيب السينمائيين شطب تاريخ المخرج الكبير صلاح أبو سيف بسبب فيلمه الجريء والجميل «حمام الملاطيلي» لنفس السبب الأخلاقى الذى طبقه على مروي، ماأعرفه عن العمل المهنى هو عمل لجنة من كبار الموسيقيين لتقييم الأداء الفنى لمن يريد الانضمام للنقابة، لجنة تحافظ على قيمة الغناء الأصيل، يكون لها الحق فى تقييم الأصوات وكشفها أمام الرأى العام وليس منعها، بدلا من سياسة جمع الأموال من راقصات شارع الهرم، وإعطاء التصاريح لكل من تدفع، أما الجانب الأخلاقى فليس من حق أحد أن يفرض نفسه وصيا على المجتمع، فالفيلم السينمائى أو الأغنية أو أى نوع من أنواع الفنون هو أكبر عملية ديمقراطية، إذا لم يعجبك العمل الفنى فى التليفزيون تستطيع أن تستخدم الريموت كنترول لتغيير المحطة، وفى السينما من السهل ألا تكلف نفسك ثمن التذكرة وتنزل من منزلك لمشاهدة الفيلم، ومن السهل أيضا أن تقاطع الألبوم الغنائى إذا لم يعجبك ولا تشتريه أو تستمع إليه عبر الإنترنت، عزيزى مجلس نقابة الموسيقيين لو فتشنا فى التاريخ الأخلاقى لكل عضو فى النقابة أو منتسب لها أو من حصل على تصريح منها ربما نصدر قرارات بوقف الكثيرين بسبب هذا، فالمعيار الأخلاقى متغير من شخص لآخر، وهناك فئة فى المجتمع ترى أن الغناء من الأساس حرام شرعا، فهل من حقهم أيضا أن يوقفوكم عن العمل.