نصار عبدالله يكتب : هل سيفعلها مجلس الشعب؟
الكثير من الدساتير المعاصرة تعطى للبرلمان فى مسائل معينة سلطة قضائية، بالإضافة إلى سلطته التشريعية والرقابية، ومن أمثلة ذلك فى دستور1971 ما كانت تنص عليها المادتان: 93 (التى ألغيت) و 85 (التى مازال يدور بشأنها جدل كبير)، أما المادة 93 (والتى كانت تعرف بمادة: «سيد قراره» طبقا للتعبير الشهير الذى صكه الدكتور رفعت المحجوب رحمه الله) فقد كانت تنص على أن المجلس يختص بالفصل فى صحة عضوية أعضائه، وأما وجه العوار فى هذه المادة فلم يكن يرجع إلى أن المجلس التشريعى قد أصبحت له صلاحية قضائية (إذ إن هذا أمر مألوف فى الكثير من الدساتير المعاصرة كما ذكرت منذ قليل) ولكنه كان يرجع إلى أن المجلس بمقتضاها قد أصبح مختصا بالفصل فى تهمة يفترض أنها موجهة إليه هو، أى أنه قد أصبح يجمع بين الخصم والحكم فى آن واحد،.. أما المادة 85 فإنها تنص على أن: «يكون اتهام رئيس الجمهورية بالخيانة العظمى، أو بارتكاب جريمة جنائية بناء على اقتراح مقدم من ثلث أعضاء مجلس الشعب ولا يصدر قرار الإتهام إلا بأغلبية ثلثى أعضاء المجلس»..وفى الفقرة السابقة من المادة المذكورة نجد أن مجلس الشعب قد أصبح يمارس اختصاص النائب العام فيما يتعلق باتهام رئيس الجمهورية بالخيانة العظمى (وهو أمر نجد له كثيرا من الأمثلة فى عدد من الدساتير التى مارست فيها البرلمانات هذا الحق فعلا).. أما الفقرة الثانية من المادة 85فإنها تنص على أن: « تكون محاكمة رئيس الجمهورية أمام محكمة خاصة ينظم القانون تشكيلها وإجراءات المحاكمة أمامها «.. والسؤال الذى يطرح نفسه الآن هو: هل ألغيت المادة 85 من الدستور أم أنها مازالت قائمة ؟؟.. وهذ السؤال فى الحقيقة هو جزء من سؤال أشمل لم يستطع أحد أن يجيب عليه إجابة حاسمة حتى الآن ونعنى به: هل تم إلغاء دستور 1971بالكامل ؟ أم أنه فقط قد تعرض لتعديل بعض مواده من خلال الاستفتاء الذى أجرى فى 19مارس 2011ثم بعد ذلك بمقتضى الإعلان الدستورى الصادر فى 30مارس، والواقع أن هناك إجابتين يطرحهما فقهاء القانون الدستورى فى مصر على هذا السؤال أولاهما تذهب إلى أن الدستور قد سقط بالكامل غداة سقوط النظام، فى حين تذهب الثانية إلى أنه لم يسقط من الدستور إلا تلك المواد التى تم الاستفتاء على تعديلها، مضافا إليها ماقام الإعلان الدستورى بالنص عليه بشكل صريح، فإذا ما أخذنا بهذه الوجهة من النظر، فإن مجلس الشعب يستطيع إذا شاء أن يقوم بتفعيل المادة 85 أو على الأقل تفعيل كل ما يمكن تفعيله منها، فهو يستطيع مثلا أن يصدر قرارا باتهام رئيس الجمهورية بالسابق بالخيانة العظمى، بل إنه على أضعف الإيمان يستطيع بمقتضى صلاحيته التشريعية وحدها ودون انتظار صدور الدستور الدائم، يستطيع أن يصدر قانونا بتشكيل محكمة خاصة لمحاكمة كل من يثبت أنه خان أمانة موقعه السياسى بدءا من رئيس الدولة وانتهاء إلى الوزراء الحاليين والسابقين.، والواقع أن مثل هذا الإجراء يكتسب أهمية قصوى فى ظل الظروف المتمثلة فى قرب انتهاء محاكمة الرئيس السابق محمد حسنى مبارك وأعوانه واحتمال صدور حكم ببراءتهم جميعا (يكفى فى هذا المجال أن يثور شك ما فى أمر ما فى وجدان المحكمة لكى يكون هذا سندا للبراءة، إعمالا للمبدأ القائل بأن الشك يئول لصالح المتهم)، وحين يصدر حكم البراءة فسوف تنفجر الجماهير الغاضبة على الأرجح، وسوف تزحف على الأرجح إلى كل مكان يرمز إلى العدالة المهدرة من وجهة نظرها، ولن يعنيها فى مثل هذه الحالة ما سوف يسيل من الدماء، فهل تحسب المجلس العسكرى، وهل تحسب مجلس الشعب لمثل هذا الموقف؟؟، وهل سيفعلها مجلس الشعب أم أنه سوف تكون له وجهة نظر أخرى؟