محاكم تفتيش إخوانية على طريقة الحزب الوطنى
مشروع حزب الحرية والعدالة للرقابة على المصنفات الفنيه
مجلس أعلى سمعى بصرى للرقابة على الإعلام وتحويل ملفات السينما والأدب للقضاء
ماهو موقف جماعة الإخوان المسلمين من حرية الإبداع بصفة عامة؟ وهل تتقبلون انتقادات الصحف لكم أم ستفعلون مثلما كان يفعل الحزب الوطني؟
هذه الأسئلة وجهتها للدكتور أحمد أبو بركة المستشار القانونى لجماعة الإخوان المسلمين فى حلقة برنامج «استديو مصر» بقناة نايل سينما على الهواء وفى الكواليس أيضا، والحقيقة أن كلام الرجل بشكل عام يدعو للاطمئنان لكننا حينما دخلنا للتفاصيل وجدت أننا أمام محاكم تفتيش جديدة ربما تفرض بحسن نية أو سوء نية على حرية الإبداع فى مصر.
فى الإطار العام قال الدكتور أحمد أبو بركة إن حرية الإبداع مكفولة للجميع، وإن الجماعة لن تسمح لأية جهة إدارية بمصادرة أى عمل فنى أو أدبى من جهة إدارية، وتستطيع أن تضع تحت الجملة الأخيرة ألف خط، فمشروع حزب الحرية والعدالة الجديد الخاص بالرقابة على المصنفات الفنية، هو عمل لجنة مكونة من السينمائيين أنفسهم يشاهدون الأعمال الفنية ويقرأونها، ثم يعطون الموافقة عليها، وفى حالة الاعتراض على العمل الفنى أو الأدبى تختصم هذه الجهة الإدارية العمل، ولا يكون لها الحق فى المصادرة إنما من حقها رفع دعوى قضائية ضدها فى المحكمة المختصة والقضاء هو الذى يقرر منح الترخيص أو منعه، وقال أحمد أبو بركة إن القضاء المصرى العظيم هو المنوط له الفصل فى هذه القضايا، مؤكدا أن القضاء المصرى نزيه وأكثر حيادية من القضاء فى أوروبا وأمريكا...!
وقال أيضا إن السلطة القضائية هى الجهة الوحيدة التى سيكون لها الحق فى قضايا حرية الرأى والصحافة، تسبقها نقابة الصحفيين كجهة محاسبة أولى، وتحدث أيضا عن المجلس الأعلى السمعى البصرى فى مصر، وهو نموذج يشبه النموذج المتواجد فى إنجلترا وفرنسا، والذى سينظم عملية الإعلام دون أى سلطة إدارية من الحكومة، لم تخل الكواليس أيضا من حديث عن تشريع بفرض الضرائب التصاعدية بشكل تدريجي، فى البداية سيفرضون الضرائب التصاعدية بنسبة تصل إلى 30%، وبعد فترة ربما تصل الضرائب التصاعدية إلى 60% فى بعض الشرائح الأكثر ثراء، ولما سألته : ربما يهرب رجال الأعمال بسبب هذا، فقال هذه الضرائب موجودة فى كل بلاد العالم المتقدم، ومن لايريد أن يفيد البلد لن ندلله.
كلام أبو بركة حول الضرائب يبدو منطقياً وفيه الكثير مما كنا نحلم به، ولكن حديثه بشأن حرية الإبداع يحتاج إلى تفسيرات كثيرة، فكلنا نتذكر الطريقة التى كان يستخدمها الحزب الوطنى مع الرقابة على المصنفات الفنية، وحرية الصحف فى النقد، فكان هناك تشريع غير مكتوب وهو أن أى عمل فنى سواء مسلسلاً أو فيلمًا يذهب إلى إدارة العلاقات العامة بوزارة الداخلية، التى تقرأ السيناريو ثم تقبل به أو ترفض.
وإذا رفض المخرج إرسال السيناريو إلى وزارة الداخلية، كانت الرقابة على المصنفات الفنية ترسله بشكل سرى ربما يكون معلومًا للكاتب وفى نفس الوقت مسكوتًا عنه، هل تعرفون لماذا؟
لأن وزارة الداخلية كانت تستخدم الكثير من أدوات الضغط منها رفض الرقابة التصريح بتصوير العمل، أو عدم إعطاء الإنتاج تصريح تصوير شوارع للعمل الفني، وهى الجهة التى تمنح تصاريح التصوير فى الشوارع، أو الضغط من خلال نقابة الممثلين - الجهة التى سيطرت عليها أمن الدولة فى فترة من الفترات - فالقانون يعطى نقابة الممثلين الحق فى إيقاف تصوير العمل الفنى بورقة، والأسباب كثيرة وخروقات القوانين أكبر، لذا كان يقبل المبدعون بعرض أعمالهم على وزارة الداخلية بشكل غير معلن وغير معلوم لهم ظاهرا حتى يمر العمل.
كان الحزب الوطنى يرفع مئات القضايا ضد الصحف فيما عرفت بقضايا «الحسبة»، فلا يوجد جريدة مستقلة أو معارضة فى مصر لم تتلق عشرات الدعاوى القضائية، من مواطنين مجهولين يعتبرون أنفسهم أوصياء على الوطن والتهم جاهزة ومنها الإخلال بالأمن العام وغيرها.
فقد كان يستخدم الحزب الوطنى القضاء فى الضغط على حرية الصحافة، ولا أتفق مع كلام الدكتور أحمد أبو بركة أن القضاء المصرى حيادى بشكل كامل، فهو ليس منزلاً من السماء، وتجربة تزوير الانتخابات فى 2010 خير دليل على ذلك، والتى شارك فيها الكثير من القضاة ولم ينتفض منهم سوى القليل وعلى رأسهم المستشارة نهى الزينى وقبلها تيار استقلال القضاء، لذا ليس من المستبعد أن يستخدم القضاء فى الضغط على حرية الإبداع على طريقة محاكم التفتيش الشهيرة فى العصور الوسطى بأوروبا.
أسند أحمد أبو بركة فكرة تحويل قضايا حرية الإبداع إلى القضاء مثلما يحدث فى أوروبا، وهو كلام موضوعى لكن هذه المجتمعات لم تمنع أى عمل فنى منذ عشرات السنوات، ولا يوجد لديها رقابة على المصنفات الفنية، بل يضعون فقط تصنيفات عمرية للأعمال، كما أن هذه المجتمعات وصلت لدرجة من الثقافة والتعليم تجعل قضايا الحسبة غير موجودة لديهم، أما المجلس الأعلى السمعى البصرى فى إنجلترا وفرنسا، فهى جهة مستقلة لا تتبع لأى سلطة هناك، وليس للحكومة سلطان عليها، وليس من حقهم منع تراخيص المحطات الفضائية إلا فى أضيق الحالات، وهو مالم يحدث ايضا فى هذه البلدان منذ سنوات، وهنا لم يتحدث الدكتور أبو بركة عن مدى استقلالية المجلس الأعلى السمعى البصري، وهل ستكون له ميزانية مستقلة أم لا.
إذا كان مشروع القانون أن المجلس الأعلى السمعى البصرى تشكله السلطة التنفيذية حتى لو اختاروا أهم كتاب مصر وأكثرهم حرية، فهذا ليس إلا نوعًا من الرقابة تمارسه الحكومة على الصحف، وقد كان هناك مشروع مماثل أعده أنس الفقى وزير الإعلام السابق على طريقة الحزب الوطنى.
العمل الفنى أو الأدبى أو الصحفى هو نفسه أكبر عملية ديمقراطية، فالمشاهد يذهب إلى السينما أو يشاهد التليفزيون أو يشترى الصحيفة برغبته ويدفع مقابلاً مادياً لذلك، وإذا كان حزب الحرية والعدالة جاء بأغلبية فى البرلمان بإرادة المصريين، فإرادة المصريين نفسها هى التى تميز الغث والسمين، وإذا كانوا قادرين على اختيار نوابهم فى مجلس الشعب ورئيس جمهوريتهم، فهم أيضا قادرون على اختيار صحيفتهم أو فيلمهم أو قناتهم المفضلة أو كاتبهم المميز، والعملية الإبداعية عملية فردية تخرج من ذات المبدع، ربما تلقى قبولا من المتلقى وربما تلقى رفضا، لذا الحل الأفضل هو عمل تصنيف عمرى للافلام وليس تحويلها للقضاء. فليس من حق أحد فرض وصاية على الإبداع، ومصطلحات الحفاظ على الأمن العام وثابت الأمة والنظام، هى مصطلحات مطاطة كان يستخدمها مبارك فى تقييد حرية الرأي، ومن حق أى أحد تفسير هذه المصطلحات على حسب مزاجه الشخصى أو عقيدته.
إذا كان صديقى أحمد أبوبركة يريد الأفضل لمستقبل حرية الرأى عليه أن يطرح مشاريع هذه القوانين للنقاش المجتمعي، قبل طرحها فى البرلمان، وعلى الجميع أن يضعوا أفكارهم وآرائهم قبل صياغة نصوص هذه القوانين، وفى مقدمتهم المتخصصون فى هذه المجالات، فقد كانت آفة الحزب الوطنى أنه عاش فى «جيتو» مغلق عليه، وكان يسن القوانين فى الغرف المغلقة لنفاجأ بها تضيف المزيد من الإفساد للحياة السياسية فى مصر