شوبير يفتح ملف انهيار الكرة المصرية : الساحرة المستديرة .. بين النكسة والثورة

الفجر الرياضي



لم تعان الكرة المصرية على مر عصورها مثلما عانت فى مرتين، الأولى بعد النكسة والثانية بعد الثورة، فبعد نكسة يونيو انتكست الحياة الرياضية تماماً فى مصر وتوقف كل أوجه الرياضة وألغيت كل الانشطة واعتزل جيل رائع من اللاعبين وانقصف عمر جيل بعده أيضاً لأننا منذ عام 67 حتى عام 73 تقريباً لم نمارس كرة القدم إلا بالمباريات الودية والتصفيات الإفريقية والدورات التليفزيونية فاختفت المسابقات تماماً ولم يعد لها وجود حتى عادت الحياة الكروية من جديد لمصر بقرار ذكى من الرئيس الراحل أنور السادات باستضافة بطولة الأمم الإفريقية عام 1974 فبدأت الحياة تدب من جديد فى أوصال الكرة المصرية وكانت البداية التى شهدت عودة المنتخب المصرى للمشاركة فى البطولات الإفريقية وأيضاً اقتربنا من التأهل لنهائيات كأس العالم 78 لولا إخفاق وسوء تقدير من الاتحاد القائم على شئون كرة القدم فى هذا التوقيت عندما أقحم هيديكوتى مدرب الأهلى وزكى عثمان مدرب الزمالك على الجهاز الفنى لمنتخب مصر فخسرنا بقسوة فى تونس 4/1 وضاع على جيل عظيم يضم الخطيب وشحاتة ومختار وجعفر وخليل وإكرامى وغيرهم من النجوم العظام فرص المشاركة فى كأس العالم.


واستمرت الكرة المصرية فى النهوض من كبوة النكسة المدمرة التى قضت على جيل رائع على رأسه صالح سليم وطه إسماعيل والفناجيلى والذين لم يستمتعوا بكرة القدم كما ينبغى واعتزلوا جميعاً فى سن مبكرة باستثناء صالح سليم، بل إن جيلاً من الوسط لم تشعر به الجماهير رغم موهبتهم الرائعة مثل عادل طعيمة ومحمود عبدالحى وعادل الجمال وعبدالعزيز حسن وحازم كرم وغيرهم من اللاعبين الذين اعتزلوا وهم لم يتجاوزوا عمر الـ 25 عاماً ويمكن الوحيد الذى أفلت من هذه المذبحة كان ميمى الشربينى فكان على رأى الراحل العظيم نجيب المستكاوى الألفا فى وسط التلاميذ الخطيب وعبده والبطل وحمدى وصفوت ولكنه لم يستمر طويلاً وسلم الراية للجيل التالى ليحاول إعادة البناء من جديد .

ولعل أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات هى التى شهدت مولد النجوم الكبار فى كرة القدم فى مصر فظهر طه بصرى وعلى خليل والخواجة والمأمور وأحمد عبدالحليم فى الزمالك وظهر الخطيب وطه الشيخ وعبدالعظيم وإكرامى وشريف عبدالمنعم ومجدى عبدالغنى وأحمد عبدالباقى وفتحى مبروك وغيرهم فى الأهلى وتألق أبوجريشة الذى كان قد لمع اسمه عام 66/67 ولحسن حظه أنه كان صغيراً جداً فاستمر فى الملاعب مع أسامة خليل وحمدى نوح وغيرهما.

وانتشرت المواهب فى الملاعب المصرية والأندية المختلفة وازدهرت صناعة كرة القدم وأصبحنا ضيوفاً دائمين على البطولات الإفريقية نحقق فيها مراكز متقدمة ونقترب مراراً وتكراراً من تحقيق اللقب الذى وصلنا إليه بالفعل عام 1986 فى البطولة التى أقيمت على أرض مصر وزادت المواهب فى الكرة المصرية فظهر حسام وإبراهيم حسن وربيع ياسين وعلاء ميهوب وزكريا ناصف واسماعيل يوسف وأحمد رمزى وهانى رمزى وأحمد الكأس وهشام يكن وجمال عبدالحيمد وطاهر أبوزيد وأسامة عرابى وطارق يحيى وحمادة عبداللطيف وأيمن منصور وأيمن شوقى وغيرهم الكثير من اللاعبين الموهبين وزاد على ذلك أيضاً ظهور أجيال من المدربين على رأسهم الراحل العظيم محمود الجوهرى لتتصاعد الآمال فى التأهل لكأس العالم وهو ما حدث بالفعل فى تصفيات عام 90 عندما نجح المنتخب المصرى فى التأهل بعد صدارة مجموعة كانت تضم كينيا وليبيريا ومالاوى ثم لعب مباراة فاصلة مع الجزائر فتعادل إياباً بدون أهداف وفاز عودة بهدف وحيد للنجم حسام حسن لتصعد مصر لكأس العالم وتقدم عروضاً أبهرت الجميع بالتعادل مع بطل أوروبا المنتخب الهولندى والتعادل مع أيرلندا القوية جداً فى ذلك الوقت والخسارة بصعوبة بالغة أمام إنجلترا بهدف وحيد ولتخرج مصر مرفوعة الرأس .


وتوقع الجميع بعدها استمرار الانتفاضة والانتصارات الكروية إلا أن المسئولين عن الكرة فى مصر كان لهم رأى آخر فأقالوا الجوهرى بعد كأس العالم بأيام معدودة بعد الخسارة أمام اليونان فى مباراة ودية لا قيمة لها وكان الرجل قد وضع تخطيطاً بإقامة مباراة دولية ودية كل شهر لكسب الخبرة والاحتكاك ليتم القضاء على أمل التأهل لكأس العالم من جديد ولكن سرعان ما عاد المسئولون مرة أخرى إلى صوابهم وتمت إعادة الجوهرى لقيادة السفينة الكروية فنجح فى الحصول على كأس الأمم الإفريقية عام 98 فى بوركينافاسو.


وعادت الحياة للازدهار ثم حدث هبوط فى المستوى وهو أمر عادى ولكننا لم نفارق أبداً نهائيات الأمم الإفريقية بل وكان منتخب مصر منافساً قوياً دائماً للتأهل لكأس العالم ولكن الخطوة الأخيرة كانت دائماً هى العقبة لوصول مصر لكأس العالم ورغم ذلك استطاعت الكرة المصرية أن تعود من جديد فى عام 2006 لتفوز ببطولة الأمم الإفريقية فى مصر ونالتها مرتين متتاليتين فى غانا 2008 وأنجولا 2010 مما جعل الجميع يضع مصر فى مكانة كروية رائعة حيث كنا أيضاً قريبين جداً من التأهل لكأس العالم 2010 بجنوب إفريقيا لولا فارق هدف وحيد عن المنتخب الجزائرى الشقيق وتوقع الجميع أن تستمر صحوة الكرة المصرية والتى وجدت وبأمانة شديدة جداً رعاية بالغة من كبار المسئولين بالدولة وعلى رأسهم الرئيس الأسبق حسنى مبارك وكل رجال الدولة وأيضاً السيد جمال مبارك وشقيقه علاء مبارك حيث قدما كل أوجه العون للمنتخبات المصرية بصفة عامة وللمنتخب الأول بصفة خاصة مما كان له أكبر الأثر فى انتعاشة كروية عظيمة ويومها قالوا إنهم يستغلون كرة القدم من أجل أن يحكم جمال مبارك مصر ولا أعرف حتى الآن ما العلاقة بين كرة القدم وحكم مصر، المهم أننا حتى عام 2010 كنا ملوك اللعبة فى إفريقيا على الأقل وكان الجمهور المصرى رائعاً وعظيماً فى مساندته سواء للأندية المصرية التى عاشت هى الأخرى عصراً ذهبياً بفوز الأهلى والزمالك والمقاولون بالبطولات الإفريقية مرات متعددة بدءاً من عام 83 على يد الأهلى ليصبح ثانى فريق مصرى بعد الاسماعيلى عام 70 يفوز بهذه البطولة مروراً بالزمالك والمقاولون وكان هذا أيضاً بفضل جمهور عظيم ملأ المدرجات حتى للمقاولون العرب وضرب أروع الأمثلة فى التشجيع المحترم والمثالى إلى أن جاءت ثورة يناير لتضرب بكل إنجازاتنا عرض الحائط وللعلم فأنا لست ضد الثورة على الاطلاق بل العكس هو الصحيح فقد كان جميلاً أن يصبح لدينا رئيس بالانتخاب الحر بدلاً من التزوير وأن يكون هناك مجلس شعب محترم لا مزور وأن تكون هناك إرادة ورأى للشعب باحترام وانضباط وأن تكون هناك أحزاب قوية تستطيع أن تثرى الحياة السياسية المصرية ولكن وبكل أسف وبعد أن نجح الشباب فى فرض كلمتهم اختطف البعض منهم ثورتهم فتحولت إلى فوضى وانتهازية وعدم احترام لتتحكم الجماهير فى الملاعب وأفسدت المدرجات وقتلت الجماهير فى مدرجات الكرة ودخل الرعب فى قلوب المدربين واللاعبين من قلة فاسدة متعصبة فرضت كلمتها على الجميع ومارست الابتزاز وسوء التشجيع بل إنها أصبحت الآمر الناهى لمجالس إدارات الأندية والبرامج الرياضية التافهة والفارغة فأوقفت المسابقات بالكامل ومنعت اللاعبين من التدريب وتدخلت فيما لا يعنيها فانتكست الكرة من الجديد وضاع المنتخب الوطنى وبعد أن كان يقهر الكاميرون وساحل العاج والجزائر ونيجيريا والسنغال أصبح صيداً سهلاً لأضعف الفرق الإفريقية مثل النيجر التى أخرجتنا من تصفيات 2012 وإفريقيا الوسطى التى أخرجتنا من تصفيات 2013 والآن أمام السنغال والتى فازت علينا ذهاباً وإياباً فى 2014 ومن قبلها تونس والبقية ستأتى بالتأكيد نظراً لانتشار الفوضى وقلة الاحترام وخروج الجانب السيئ والقذر من بين هؤلاء المتعصبين والذين ظهروا على حقيقتهم فى الآونة الأخيرة واتضح أنهم السبب الرئيسى لاشتعال الجامعات وبعض الأماكن التى ظهرت فيها المشاكل ورغم عودة نشاط كرة القدم إلا أنه عاد منقوصاً بشدة إما لضعف مسابقة الدورى العام والتى خاطر القائمون على اتحاد الكرة للعبها من مجموعتين وهو أضعف نظام لبطولة كرة قدم فى العالم أو لغياب الجماهير عن المدرجات خوفاً من شغب بعضهم وإفساده الحياة الرياضية من جديد لدرجة أن الأمن خاف من إقامة مباراة لكرة السلة فى نادى الزمالك فآثر السلامة وقرر تأجيلها لأجل غير مسمى.. إذن الأزمة الكروية لها جذور ولا تتعلق فقط بامكانيات مدرب أو استعداد فريق لكنها منظومة متكاملة أردت اليوم أن أبدأ بأهم أسباب تراجعها ووصولها إلى هذه الدرجة من التواضع عن طريق المقارنة بما حدث لمصر بعد نكسة 67 وثورة يناير والبقية تأتى.