حينما تتحول الرقابة إلى هاجس يطارد صناع السينما فى «واحد صحيح»
أيهما تفضل .. من تعتقد أنك تحبه؟
أم من يحبك بشكل أكيد ؟
هذا السؤال هو المورال الرئيسى فى ميلودراما واحد صحيح، والذى يدور فى فلكه السيناريو أثناء الجزء الثانى من الفيلم، قائما على التشويق، نرى منذ المشهد الأول لقطات توضح لنا طبيعة شخصية البطل وهو عبدالله بودى «هانى سلامة»، من خلال لقطات تقليدية داخل ديسكو «لقطات قريبة من كاسات الخمور ورقص على المسرح»، لنرى فى المشهد الثانى تفاصيل أكثر لشخصية عبدالله، الـ«دون جوان» الذى يحب النساء، وكثير العلاقات، وفى نفس الوقت لديه نزعة فنية، فهو يعمل مهندس ديكور.
من هذه المشاهد نكتشف أسلوب المخرج هادى الباجورى الذى يعتمد كثيرا على المباشرة فى الطرح، وتطويع جميع أدواته لخدمة كل جملة حوار داخل الاحداث، فهو يعتمد أكثر على الكادرات الضيقة والمتوسطة، ويبرع فى إظهارها بشكل جمالي، وقدراته تقل فى الكادرات البانورامية، ويستخدم كثيرا مع مدير التصوير العدسات فى تأكيد الطرح المباشر، من خلال الإسهاب فى استخدام تقنية الصورة الـ«فلو والنت» ، وهو طرح يصادر القراءة الفنية للعمل، ويساعد فى تحجيم خيال المشاهد.
مدير التصوير «أحمد المرسى» يستخدم الألوان الكثيرة فى صورته بشكل جمالى يقترب من الفيديو كليب، ويتعامل مع كل لقطة باعتبارها عملاً كاملاً قائمًا بذاته مثل أغانى الفيديو كليب، ساعده فى هذا.. المحتوى داخل الكادر والطبقة الاجتماعية التى تدور فيها الأحداث، وهى طبقة عليا تدور حياتهم بين الفيللات والشقق الفخمة والمكاتب الشيك، وطبيعة عمل البطل كمهندس ديكور تجعل مفردات الديكور جميلة داخل هذا العالم، لكن الطريقة الجمالية فى الصورة، تسببت فى خنق الزمن داخل الفيلم، وجعلتنا نعيش فى عالم صورة جميل لكنه مصطنع، مبهر لكنه غير طبيعي، كأننا فى منطقة رمادية لا نعرف الفرق فيها بين الليل والنهار، وكل هذا يمكن أن يكون جيدًا لو كان له مبرر درامي.. فهل هناك مبرر درامى لهذا؟
عبدالله بودى شخصية عابثة وأنانية اجتماعيا، لكنه فى نفس الوقت ناجح فى عمله وفنان موهوب، وهى شخصية تكاد تقترب من شخصية «حسام» أو أحمد زكى فى فيلم امرأة واحدة لا تكفى للمخرجة إيناس الدغيدي، هذا فى النصف الأول من الفيلم، لكنها تذهب لمنطقة درامية أخرى فى النصف الثانى من العمل.
فى عالم عبدالله أربع نساء، أميرة سالم «كندة علوش فى أداء نمطى « نموذج الحب المستحيل لأنها مسيحية ولن تستمر علاقاتهما مع بعض لقيود اجتماعية وشخصية أيضا، وتنتهى قصة الحب بهروب أميرة إلى الكنيسة وتقرر أن تترهبن، هاجس الرقابة طارد المخرج أيضا فى مشهد تخرج فيه رانيا يوسف من حمام السباحة، وقرر تحويل الصورة لـ«فلو» بجودة أقل حتى لا يعترض الرقيب على المشهد، وهو هاجس أعتقد أنه سيطر على أطراف العمل طوال الوقت.
نادين «بسمة» الصديقة الأقرب لعبدالله، التى تكتشف كل شىء فى عالمه، ويحكى لها أدق الأسرار، وهى فى نفس الوقت مطلقة من أقرب أصدقائه وشريكه فى العمل «عمرو يوسف»، والسبب غامض تكشفه الدراما فيما بعد.
فريدة «رانيا يوسف فى اداء مميز» وهى شخصية مكتوبة بشكل نمطي، فهى بنت الطبقة الفقيرة المتمردة التى سعت وراء الزواج من ثرى حتى لو كان شاذ جنسيا.
مريم «ياسمين الرئيس فى ظهور مميز» هى مذيعة بالتليفزيون، والأكثر قربا لأم عبدالله، فهى متحررة وفى نفس الوقت تصلى وتصلح كأم، وتستطيع أن تشبع رغبات عبدالله الذى يعانى من إزدواجية فى الشخصية مثل غيره من المصريين، ولـ»مريم» صديق «عمرو صالح فى اداء لافت» تشبه علاقته بها علاقة عبدالله بـ«نادين»من وجهة نظر مريم، لكن الواقع يؤكد أن صديق مريم يحبها وهى لا تريد أن تنتبه له.
الحبكة فى البداية اعتمدت على نفس حبكة فيلم «امرأة واحدة لا تكفي»، لكن مع النصف الثانى للفيلم تتغير الحبكة لنرى فيها مثلث الحب التقليدي، والجديد هنا عبدالله طرف فى كل مثلثات الحب.
الكثير انتقد بعنف لغة الحوار داخل الفيلم واستخدام ألفاظًا خارجة عن النمط السائد، واعتقد أن هذه إحدى نقاط قوة الفيلم، فالحوار حقيقى والكلمات تشبه الشخصيات، وهو حوار يؤكد مصداقية الفيلم وأحداثه، وله مبرره الدرامي.
وبدأ الإنتاج مختلفا عن نوعية أفلام السبكى التى تهتم أكثر بالخلطة الشعبية التقليدية السطحية، وظهرت بصمة مختلفة للجيل الثانى من السبكية وهو «كريم السبكي» الأكثر شبابا خريج الجامعة الأمريكية والأكثر تحررا من قيود الإنتاج التقليدية فى العائلة.