«نفسنة» رئيس لجنة تحكيم مهرجان وهران أضاعت من هند صبرى جائزة تستحقها



أصيب الكثيرون بالدهشة حينما فاز المخرج النمساوى الكبير «مايكل هانيكه» بالسعفة الذهبية للدورة الثانية والستين من مهرجان كان السينمائي، فالفيلم لم يكن أفضل أعماله ولم يكن أيضا أفضل أفلام المسابقة الرسمية، لكن كانت هناك كلمتان سر وراء الفوز بهذه الجائزة، الأولى موضوعه الذى يناقش قسوة وديكتاتورية التربية النازية، وهو موضوع يلقى دعمًا سياسيًا من الغرب بصفة عامة، وكلمة السر الثانية والأقوى أن رئيس لجنة التحكيم كانت الممثلة الفرنسية الكبيرة «ايزابيل هوبير»، والتى عملت مع « مايكل هانيكه» فى عدة أفلام، وحصلت على سعفة أفضل ممثلة فى دورة عام 2001 عن فيلم «عازف البيانو» مع نفس المخرج..!

وهذا ما يطرح تساؤلاً مهماً حول العلاقات الشخصية التى تحكم آراء وتوجهات لجان التحكيم فى المهرجان، فالبعض يرى ان اختيار لجنة التحكيم من ادارة المهرجان يعتبر اختيارًا مبكرًا للفيلم الفائز بالجائزة الكبري، وآخرون يرون أن النقاد هم أفضل من يجب أن يشكلوا لجان التحكيم باعتبارهم طرفاً محايداً، تذكرت هذا الكلام حينما أعلنت الممثلة التونسية فاطمة بن سعيدان عن فوز الممثلة اللبنانية «كلود باز مصوبع» بجائزة أفضل ممثلة فى مهرجان وهران للفيلم العربي، وفى نفس الوقت تجاهلت الجوائز أهم أفلام المهرجان وهو «نورمال» للمخرج الجزائرى مرزاق علوش، وتجاهلت أيضا المخرج عمرو سلامة صاحب التجربة الوحيدة التى يوجد بها مساحة من التجريب تستحق جائزة أكبر بكثير من مجرد تنويه.

فاطمة بن سعيدان هى ممثلة سينمائية ومسرحية تعيش بين تونس والجزائر، شاهدناها جميعا فى فيلم «صمت القصور» للمخرجة مفيدة تلاتلى وهو أول أفلام هند صبرى كممثلة، والتقت فاطمة بن سعيدان وهند صبرى للمرة الثانية بعد سنوات، فالأولى رئيس لجنة تحكيم والثانية تتنافس على جائزة افضل ممثلة، ولكن هناك فارقًا كبيرًا بين الاثنتين، فقد أصبحت هند صبرى نجمة كبيرة، وتعيش فى مصر ويعرفها الجميع، حينما تظهر تلتف حولها أضواء الكاميرات، ويسعى الصحفيون لاقتناص تصريحات منها، كتب عنها مئات من المقالات النقدية، وتنقلت بين أكبر المهرجانات السينمائية فى العالم، وفازت بعشرات الجوائز، أما فاطمة بن سعيدان فظلت كما هى نجوميتها محصورة فى دول المغرب العربى فقط، ولا أحد يعرف عنها شيئا فى الجانب الآخر من القارة الافريقية.

هنا لا استثنى الغيرة، ولا أتوقع غيرها، فقد كانت هند صبرى هى الأجدر بجائزة أفضل ممثلة، وهذا لا يقلل من شأن «كلود باز مصوبع»، لكن هند استطاعت فى هذا الفيلم الجميل ان تقنعنا بأنها بالفعل مريضة بالإيدز، تخلت عن تابوهات يتمسكن بها النجمات عادة، منها المظهر الجميل والمكياج المبالغ فيه، فقد توحدت مع الشخصية، وقررت أن تكون الممثلة هند صبرى وليست النجمة هند صبري، أتقنت اللهجة الفلاحى والمرحلتين العمريتين فى الفيلم، عبرت بعينيها عن المشاعر الداخلية للشخصية، اختارت أصعب مدارس التمثيل لتعمل بداخلها فى هذا الفيلم وهى «الانفعال الداخلى للممثل «لايليا كازان»، ورغم كل هذا لم تفز بالجائزة، ربما أدت الغيرة الى استبعاد الفيلم نفسه من جوائز مهمة والاكتفاء فقط بتنويه مبتور، وعادة لجان التحكيم فى المهرجانات السينمائية تشجع وتدعم دائما القيم التجريبية فى الافلام، وهى كلها متوفرة فى فيلم «أسماء» الذى يشبه إلى حد ما مبادئ جماعة «دوجما 95» السينمائية المستقلة، باستثناء وجود كيان إنتاجى وراء الفيلم، فالتصوير تم بالكاميرا المحمولة فى معظم الأحداث ليعطيك شعورًا بأن كل شيء حقيقى وليس تمثيلاً، ولم يتم استخدام إضاءة كثيرة، واعتمد مدير التصوير على الإضاءة الطبيعية فى معظم المشاهد، والسيناريو كان جيداً بإستثناء المبرر الأخلاقى الذى وضعه المؤلف ليبرر مرضها بالإيدز فى قصة حب ملحمية، ربما مشكلة السيناريو تستبعد الفيلم من الفوز بالجائزة الكبرى لكنها لا تثنيه عن الفوز بجوائز أخرى أكثر أهمية من مجرد تنويه.

الفيلم الثانى الذى تعرض لظلم حقيقى هو «نورمال» للمخرج الجزائرى الكبير مرزاق علوش، وهو أهم فيلم عرض فى المهرجان على الإطلاق، والذى يحمل بعدًا سياسيًا أثار ضجة وواجه حملة شرسة من بعض الصحف الجزائرية متهمينه بالاساءة لسمعة الجزائر، نفس السيناريو الذى حدث مع فيلمى «هى فوضى» و«حين ميسرة» فى مصر وتم اتهامهما بالاساءة لسمعة مصر، وهو ماحدث فى المغرب ايضا مع الفيلم المغربى «كازا نيكرا» للمخرج نور الدين الخماري، وتم اتهامه بالاساءة لسمعة المغرب، وهو ماحدث أيضا مع الفيلم السورى «الليل الطويل» للمخرج حاتم على وتم اتهامه بالاساءة لسمعة سوريا، وهم لا يعلمون أن الافلام تعيش، وأصحاب التهم المجانية هم من يتم حرقهم ويموتون.. فيلم نورمال مزج فيه المخرج بين التسجيلى والروائي، وأدان النخبة الجزائرية وموقفها من الاحتجاجات الأخيرة فى الجزائر، ونقل لنا صورة حقيقية لموقف النخب العربية من خلال مجموعة من المسرحيين الجزائريين الذين يريدون، عمل مسرحية تحمل اسم «نورمال» وترفضها وزارة الثقافة الجزائرية، لأن بها ألفاظا خادشة للحياء، رغم ان هذه الألفاظ يتم استخدامها فى الشارع الجزائرى والعربى