خريف الغضب الأوروبي في ثوب عربي .. ومقصلة اليورو تحكم قبضتها على قادتها

عربي ودولي


استلهم الشباب الأوروبى طريقة الاحتجاجات العربية التى اعتمدت على شبكات التواصل الاجتماعى، فتطور ربيع الثورات العربية إلى خريف غضب وصل إلى أوروبا، وكانت أزمة الديون الأوروبية الحالية، التى تعد أكبر أزمة تمر بها القارة منذ الحرب العالمية الثانية، القشة التى قسمت ظهر البعير.

ووسط مظاهرات الاحتجاج التى اجتاحت أوروبا، شهد العالم خلال عام 2011 بداية فعلية لسقوط مروع وفشل لافت لسياسات الحكومات الغربية التى تقود الاقتصاد العالمى فى مسيرته وتحت شعار (يا شعوب العالم انهضوا .. إنزل إلى الشارع وإصنع عالما جديدا) خرج الآلاف فى مسيرات احتجاجية ضد تردى الأوضاع الاقتصادية فى أكثر من 82 دولة على مستوى العالم ومن بينها دول القارة الأوروبية.

ووصلت تداعيات الأزمة المالية التى واجهت اليونان وهددتها بالإفلاس إلى إيطاليا وعدد من دول الاتحاد الأوروبى فى ظل الترابط الاقتصادى بين دول أوروبا، وتسببت أزمة اليورو فى الإطاحة باثنين من أقدم رؤساء الوزراء الأوربيين وهم رئيس الوزراء اليونانى جورج بباندريو والإيطالى سيلفيو بيرلسكونى.

وإندلعت الشرارة من العاصمة اليونانية أثينا عندما احتشد ما يقرب من 100 ألف يونانى فى (ميدان سينتاجما) الشهير بوسط العاصمة، منددين بالساسة الذين يحكمون البلاد وصب المحتجون غضبهم على صندوق النقد الدولى وما يطالب به من مزيد من إجراءات التقشف.

وواصل المعتصمون المبيت فى الميدان وتدخلت قوات الأمن بالقوة والغاز المسيل للدموع حتى تمكنت من تفرقة المعتصمين وانتهى الأمر برحيلهم ورفع المتظاهرون لافتات غضب ضد فساد الرموز السياسية.

وفى إيطاليا.. جاء سحب الثقة من حكومة رئيس الوزراء سيلفيو بيرلسكونى اعتراضا على سياسات التقشف الاقتصادية التى انتهجتها حكومته حيث تظاهر عشرات الآلاف من الإيطاليين، منددين بتلك السياسة فأسدل الستار على واحد من أقدم رؤساء الوزراء فى إيطاليا .وحاول رئيس الوزراء الإيطالى الجديد ماريو مونتى احتواء الأزمة بسرعة وقرر تشكيل حكومة تكنو قراط وتولى بنفسه حقيبة وزارة المالية، مستحدثا وزارة سوبر للنمو تضم حقائب التنمية الاقتصادية والبنية التحتية والبيئة بهدف التركيز على المبادرات المنسقة للنمو الاقتصادى. وفى أسبانيا، تجمع المئات من الشباب احتجاجا على ظروف المعيشة المتردية والبطالة ورفض سياسة التقشف المعتمدة من قبل البنوك والقضاء على الفساد والحد من الامتيازات السياسية وإصلاح النظام السياسى الذى يحصر المنافسة بين اليمين واليسار فقط، وباتت تلك الحركة تعرف باسم (حركة 15 مايو).

وتعهد عشرات الآلاف من المتظاهرين فى ميدان الشمس (بورتاديل سول) الشهير بالعاصمة مدريد بمواصلة احتجاجاتهم والحفاظ على خيمهم المنصوبة فى الميدان دون تحديد موعد محدد لإنهائها احتجاجا على أسلوب الحكومة فى التعامل مع الأزمة الاقتصادية وإجراءات التقشف التى اتخذتها قبل الانتخابات المحلية والإقليمية التى جرت فى 22 من شهر مايو الماضى، فضلا عن ارتفاع الفساد السياسى فى البلاد ومعدل البطالة الذى يعد من أعلى المعدلات فى دول العالم الصناعية.

وشهدت ساحة ميدان الباستيل بوسط باريس احتشاد مئات من المتظاهرين الفرنسيين احتجاجا على تدنى مستوى المعيشة وسياسة الدولة الرأسمالية وزيادة قضايا الفساد المالى، فضلا عن ظاهرة الانحرافات غير الأخلاقية التى تصيب رموز السياسة من قوى اليمين الحاكم أو اليسار المعارض.

ومع اتساع دوائر الاحتجاجات فى الدول الأوروبية سيطرت أزمة اليورو على اهتمامات الساسة الأوربيين، وكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أهم الفاعلين من أجل اتخاذ التدابير الضرورية لإنقاذ منطقة اليورو ، فعقد القادة الأوربيون، الذين يواجهون ضغوطا عالمية لمواجهة أزمة الديون، قمة فى العاصمة البلجيكية بروكسل لمناقشة تداعيات الأزمة والاتفاق على إعادة هيكلة الديون والمساهمة فى صندوق الإنقاذ الأوروبى لتفادى مثل هذه الأزمات فى دول أخرى.

وفى أكتوبر الماضى، اجتمع وزراء مالية الدول الغنية والناشئة العشرين الكبرى فى العاصمة البلجيكية بروكسل مرة أخرى للتحضير لقمة (كان)، ووعد الأوروبيون خلال قمة بروكسل بإيجاد حلول لأزمة الديون، وشكل هذا الاجتماع فرصة لدول مجموعة العشرين الأخرى القلقة على النمو العالمى لدرس مواقف الأوربيين بشأن ملفات الساعة الأكثر إلحاحا.

وخيمت الأزمة اليونانية على قمة مجموعة العشرين التى عقدت فى نوفمبر الماضى بمدينة كان الفرنسية وكرست جهودها لعودة الثقة لمنطقة اليورو بفضل الخطة التى تم التوصل إليها سابقا فى بروكسل، وأقرت مجموعة دول العشرين بالتقدم الذى أحرزه الأوروبيون فى حل أزمة مديوناتهم إلا أنهم حضوا أوروبا على الوفاء بتعهداتها وسط مخاوف من تراجع معدلات النمو الاقتصادى العالمى، واكتفت المجموعة فى بيانها الختامى بالالتزام بتزويد صندوق النقد الدولى لموارد مماثلة.

واستضافت فرنسا قمة الثمانى الصناعية فى مدينة دوفيل بمشاركة 18 دولة وحكومة فى مايو الماضى، وكان الربيع العربى ضيف هذه القمة، حيث ناقشت مجموعة من القضايا المهمة وفى مقدمتها القضايا الاقتصادية وقضايا المناخ والانبعاث الحرارى وكيفية التوصل لتخفيض الغازات الضارة بالبيئة من خلال خطة استراتيجية من 2011 إلى 2020 بالإضافة إلى أزمة الغذاء العالمى.

وأصدرت تلك القمة إعلانا خاصا بالشراكة بين مجموعة الثمانية (جى 8) وكل من مصر وتونس من حيث كيفية دعمهما من خلال برامج تعاون ثنائية مع الاتحاد الأوروبى الذى يخصص ثلثى مساعدات دول الجوار لدول الجنوب والثلث فقط لدول الشرق الأوسط، ومن هنا كان هناك حاجة ماسة وملحة لتغيير أسلوب تقديم المساعدات الأوروبية بما يتناسب مع الواقع الجديد الذى تعيشه المنطقة.

وأبى عام 2011 أن يمضي دون قرار من وزراء الاقتصاد فى دول منطقة اليورو ودول أخرى فى الاتحاد الأوروبى بتقديم 150 مليار يورو إلى صندوق النقد الدولى، مطالبين الدول الصاعدة بتقديم 50 مليار يورو إلى الصندوق ليصل المجموع إلى 200 مليار يورو وذلك للمساهمة فى تحقيق الاستقرار المالى العالمى ..فى حين رفضت المملكة المتحدة المشاركة فى الصندوق باعتبارها ليست عضوا فى منطقة اليورو، ورغم ذلك فإن مخاطر انتشار عدوى أزمة منطقة اليورو مازالت قائمة .وشهد عام 2011 صراعا أوروبيا - أوروبيا على كرسى صندوق النقد الدولى، حيث لم تواجه عملية اختيار رئيس للصندوق صعوبات مثلما واجهته هذه المرة عقب استقالة الفرنسى دومينيك شتراوس من رئاسة البنك على خلفية اتهامه بالتحرش الجنسى بإمرأة فى أحد فنادق نيويورك، وفازت وزيرة المالية الفرنسية كريستن لاجارد البالغة من العمر 55 عاما بالمنصب بعد أن رشحتها حكومتها وقامت بحملة ناجحة للتأييد أهلتها فى النهاية بالفوز لمنصب مدير عام صندوق النقد الدولى.

وسممت حرب الخيار العلاقات الأسبانية - الألمانية ببكتريا الإيكولاى ، وسابق علماء أوروبا الزمن بحثا عن مصدر العدوى بهذه البكتريا القاتلة التى هاجمت بشراسة مئات الأشخاص فى 12 دولة أوروبية وأدت إلى وفاة العديد منهم، معظمهم فى ألمانيا، وكان أغلب المصابين الأوروبيين بالمرض قد سافروا إلى مناطق مختلفة من ألمانيا.

وأشارت أصابع الاتهام فى بداية الأمر إلى أن مصدر العدوى بالبكتريا هو الخيار المستورد من ألمانيا مما أدى بالمفوضية الأوروبية إلى التحذير من تناول الخضروات الأسبانية، الأمر الذى ألحق أضرارا خطيرة بالقطاع الزراعى فى أسبانيا وتسبب فى خسائر اقتصادية، وانتهى الأمر بأزمة سياسية بين أسبانيا وألمانيا.

ونتيجة للهلع الذى أصاب العالم من انتشار بكتريا الإيكولاى القاتلة جمدت روسيا استيراد الخضروات والفاكهة من أوروبا، الأمر الذى اعتبره الاتحاد الأوروبى مخالفا لأنظمة التجارة العالمية التى تسعى روسيا للانضمام إليها .. فى حين أكدت ألمانيا

بعد انتقال الوباء من أوروبا إلى أمريكا الشمالية أن مصدر بكتريا الإيكولاى سيظل مجهولا .وفى ألمانيا، قام الآلاف بالاحتجاج ضد سلطة الأسواق المالية أسوة بحركة الاحتجاج الأمريكية التي حملت اسم احتلوا وول ستريت ، والتي تنتقد النظام المالي العالمي وعالم البنوك.

وحصلت ألمانيا هذا العام على مقعد غير دائم داخل مجلس الأمن الدولي لمدة عامين، وفي يوليو تولت رئاسة المجلس أيضا، وكان لابد من اتخاذ قرارات متعلقة بالكثير من الأزمات في سوريا وليبيا وأفغانستان والسودان.

وامتنعت ألمانيا في مارس عن التصويت في مجلس الأمن على القرار المتعلق باللجوء للقوة لحماية المدنيين الليبيين، فيما اعتبر فشلا في سياستها الخارجية وقوبل هذا الموقف بانتقادات كثيرة.

وفى مفاجأة غير متوقعة انتصر حزب القراصنة الفتى في انتخابات ولاية برلين الألمانية، حيث حصل على نحو 9 \% من الأصوات ليدخل بشكل غير متوقع إلى برلمان الولاية.

يشار إلى أن حزب القراصنة تأسس قبل خمس سنوات في السويد، وانتشر بعدها في عدة دول أوروبية منها النمسا وألمانيا، ويرتكز برنامجه على إصلاح القوانين المتعلقة بالحقوق المعنوية وبراءات الاختراع، ويدعو إلى العمل بنظام الديمقراطية المباشرة وذلك بإشراك الشعب في العملية السياسية بشكل مباشر.

كما شهد عام 2011 رفض شعبى ألمانى للوقود الحيوى الذى لم يلق عقب إدخاله إلى الأسواق إقبالا من المسستهلكين، ولا يبدو أن هناك من يريده بسبب الخوف على محركات السيارات حيث رفض العديد من مستخدمي السيارات تزويد محركاتهم بالوقود الحيوي، فيما لا يزال الساسة متمسكين به.

وفى ضوء الكارثة النووية التي شهدتها اليابان وبعد 25 عاما من ذكرى كارثة تشرنوبل المأساوية، قرر البرلمان الألماني فى يونيو إغلاق جميع المفاعلات النووية في ألمانيا بحلول عام 2022، وذلك استجابة لطلب المعارضة بإغلاق جميع محطات الطاقة النووية في ألمانيا.

ورغم ذلك شكلت الطاقة النووية موضوعا مثيرا للجدل في ألمانيا خلال عام 2011 ولم يعد الهدوء للبلاد حتى بعد اتخاذ القرار بإغلاق المفاعلات النووية، حيث شهدت البلاد احتجاجات واسعة مناهضة للطاقة النووية في نهاية نوفمبر اعتراضا على نقل النفايات النووية عالية الإشعاع من محطة إعادة المعالجة الفرنسية لاهاج لدفنها في مدينة جورليبين، واحتشد الآلاف أمام القطار الذي يحمل النفايات النووية احتجاجا على دفنها فى الأراضي الألمانية.

وفى أغسطس الماضى وقعت برلين تحت لهيب سلسلة من الحرائق المتعمدة حيث أضرمت النيران فى أكثر من 500 سيارة، وتم القبض على منفذ تلك الحرائق في أكتوبر، واعترف أنه قام وحده بإضرام النار في عشرات السيارات.

وحسم عام 2011 قضية المجموعة الإرهابية المنتمية للنازيين الجدد، حيث تم الكشف خلال الفترة الأخيرة عن سلسلة جرائم قتل قامت بها مجموعة يمينية متطرفة، ووقع ضحيتها عشرة أشخاص من أصول أجنبية بين عامى 2000 و2007. وبعد القبض على هذه المجموعة الإرهابية تعرضت سلطات الحماية الدستورية (وهو جهاز المخابرات الداخلي) لانتقادات لاذعة واتهامات في تقاعسه عن الكشف عن هذه

العمليات من قبل.

وشهد شهر نوفمبر أكثر طريقة ديمقراطية مثالية لمعالجة أحد الملفات التى سببت غضبا شعبيا وهو ملف شتوتجارت 21 الذى انتهى الجدل الدائر حوله بالانتخابات لصالح تنفيذ مشروع محطة القطارات الجديد في مدينة شتوتجارت ، فيما خسر معارضو المشروع بعد استفتاء شعبي.وفى جمهورية التشيك، هدد اتحاد رابطة النقابات المستقلة بتنظيم إضراب يوقف حركة القطارات ويقطع الطرق إذا لم يبدأ مجلس الوزراء فى الحد من خطط الحكومة الرامية لخفض العجز فى الميزانية عن طريق إصلاح نظام المعاشات والرعاية برفع الضريبة وزيادة المدفوعات للرعاية الصحية ونظم الإحالة إلى المعاش.

وكان خريف الغضب الأوروبى أشد إلتهابا فى جورجيا حيث حمل المتظاهرون لافتات كتب عليها على الرئيس ميخائيل ساكا شيفلى أن يرحل ، وذلك خلال تظاهرة ضمت أكثر من 10 ألاف شخص بساحة الحرية وسط العاصمة تبليسي، مطالبة الرئيس الجورجى بالاستقالة حيث تتهمه المعارضة باحتكار السلطة.

وفى مدينة باتومى الجورجية، خرج محتجون للشوارع مطالبين ساكا شيفلى بالتنحى، موجهين إليه تهمة الفشل فى مكافحة الفقر، فيما أعلنت الرئيسة السابفة للبرلمان الجورجى والقيادية بالتجمع الشعبى المعرض نينو يورجا نادزة عن إنطلاق ثورة وطنية وصفتها بأنها بداية المعركة لتحرير جورجيا من النظام الحالى .

وشددت نادزة على عدم جدوى الانتظار حتى الانتخابات القادمة، داعية إلى التحرك للإطاحة بالرئيس الذى انتخب عام 2004 بعد أن حصل على 96 \% من أصوات الناخبين، واستقال فى 2007 من الرئاسة ليترشح لها مرة أخرى فى 2008 ويفوز بنسبة 5ر52 \% من الأصوات.

وعلى جانب آخر، شهد عام 2011 تحطم رمز من الرموز السياسية الفرنسية بإصدار محكمة الجنح فى باريس حكما بالسجن عامين مع إيقاف التنفيذ على الرئيس الفرنسى السابق جاك شيراك إثر إدانته فى قضية وظائف مجاملات وهمية عندما كان عمدة لباريس خلال التسعينات، وبذلك يكون شيراك (79 عاما) أول رئيس جمهورية فرنسي تدينه محكمة الجنح.

كما شهد 2011 مراسم حفل زفاف الأمير وليام وكيت ميدلتون الذى إنطلق من كاتدرائية ويستمنستر إلى قصر باكينجهام واحتشد له مليون شخص على الأقل بمدينة لندن لمتابعته، وأعاد للأذهان حفل زفاف الأمير تشارلز والأميرة ديانا عام 1981، والاحتفال بمناسبة مرور 50 عاما على اعتلاء الملكة إليزابيث العرش.