جميلة إسماعيل: السلطة العسكرية تلوح بهدم المعبد ليقبل الشعب البيادة
فى الفيلم الجزائرى القصير «دار العجزة» نرى تصورا خياليا للجزائر عام 2030، حيث تتحول إلى دارا للعجزة، فقد هجرها شبابها ومثقفوها إلى أوروبا بعدما فقدوا الأمل فى أن تنصلح الأحوال، لم يتبق فى الجزائر سوى شاب واحد، يطارده الجميع، فقد أصبحت الدولة عجوزاً حتى الحارس الشخصى لرئيس الجمهورية عمره لا يقل عن 70 عاما، يحاولون إقناع الشاب بالبقاء ليصبح وزيرا بلا صلاحيات إلا أنه يرفض ويقرر الهجرة الى فرنسا.
تذكرت هذا الفيلم حينما خاضت جميلة اسماعيل انتخابات مجلس الشعب فى دائرة الثورة «قصر النيل»، فقد أصبحت وحيدة فى دولة العواجيز، حاولت أن تكون مستقلة فى تكتلات نفعية تبحث عن مصالحها الخاصة، رفضت أن تنضم لممن يتاجرون بالدين وينحازون لطبقة اجتماعية معينة، لتصبح وحيدة فى دار العجزة، الفارق بين جميلة إسماعيل وبطل الفيلم أنها قررت أن تستمر ولن تهاجر، لتحارب وحدها ومعها 30 ألف صوت حصدتها فى المعركة الانتخابية.
وهذه عادتها فهى إحدى المناضلات السياسيات القلائل التى تعمل فى الشارع، ولم نرها من قبل فى تحالف قذر أو مشبوه، أفكارها كتاب مفتوح للجميع، تعيش تناقضا نعيشه جميعا بين الأم لناشط سياسى «نور أيمن نور» التى تخشى عليه من رصاص القتلة، وبين المناضلة السياسية التى تقدم روحها وكل ماتمتلك من أجل قضية تدافع عنها.
تقول جميلة اسماعيل عن ابنها وجيله:
نور لا يشبهنى ولا يشبه والده، نور وغيره من زملائه قفزوا فوق أسوار المتعارف عليه والتقليدى من شجاعة وجسارة وخيال، هم أشجع وأكثر جسارة ويملكون خيالاً لم نملكه يوما، كنا نعتقد نحن وأجيال سبقت ممن ناضلوا فى مواجهة دولة الاستبداد عبر سنوات أننا صنعنا ما لن يستطيع أحد أن يصنعه وكسرنا بشجاعتنا هيبة أصنام الديكتاتوريات المتلاحقة بتظاهرات وهتافات واحتجاجات كانت تنتهى بانتهاء الحدث، البعض يذهب خلف الأسوار والبعض يسحل والبعض يعود إلى منزله، وندور فى حلقة مفرغة، كان بداخلنا ما يذكرنا دائما اننا لن ننجح وأن أمامنا طرقًا دون غيرها يجب أن نسلكها للتغيير الجزئي، وحكمة أصابتنا بشيخوخة مبكرة ونصائح أجداد وآباء ومعلمين عاشوا كقطعان لا كأفراد.
وأضافت : كنا نعتقد اننا الأنقى والأقوى فوجدنا فى أبنائنا، ما جعلنا ننظر إليهم باحترام كبير ونجل براءتهم وتلقائيتهم فى الدفاع عن ثورة بشق مجار جديدة لمياهها فى مواجهة سدود تضعها السلطة، شجاعة وجسارة لم نمتلكها ومن كان يمتلكها سابقا كان المجتمع يتطلع اليه باعتباره نوعًا مجنونًا وموديلاً ستسحقه السلطة فورا.. كنا نستسلم للحلول التقليدية.. الأفكار المجربة والمستهلكة حول الدولة وكيف يجب أن تكون وكيف نبنيها، أما هم فيفتحون أرواحهم وقلوبهم وعقولهم لما هو غير مجرب وغير مبتذل من أفكار وأساليب للمقاومة، مقاومة أى سلطة تحاول أن تنتزع حقهم فى ثورة كاملة.. جيل فتح عينه فى 2004 مع مشاهداته ومشاركاته مع كفاية وحركات التغيير والغد و6 أبريل، واعتقال لأباء ونضالات، وعذابات لأمهات وهن تحاولن المطالبة باطلاق سراحهم وحماية حق الأطفال والصبية والشباب فى المنزل فى الحياة، فى تعليم جيد قد يتيح لهم مستقبلاً أفضل ربما بعد الهجرة.. حتى يرحل مبارك.. نور وغيره من الشابات والشباب منهم من كان بتعليمه الراقى وشهادته يتوقع أن يختار الطريق الآمن ويسافر ويتحقق حلمه فى دول تحترم آدميتهم وخيالهم.. لكنهم اختاروا أن يظلوا فى مصر ليحافظوا على مستقبلها بالتصدى لسلطة مستبدة وهم عزل لا يملكون سوى الحلم والشجاعة فى مواجهة ذخيرة وسلاح.. والأقسى أنهم يواجهون أقاربهم وجيرانهم بل وجداتهم ممن يجلسون أمام الفضائيات يمجدون القاتل ويدينون الضحية لأنهم ببساطة لم يعرفوا سوى حكم الديكتاتور ولا يشعرون بالأمان دونه.
مشاعرى كأم بالتأكيد تتصارع مع مشاعرى كمناضلة، خوفى على سلامة جسده وسلامة نفسه وروحه من آثار الانتهاكات له ولغيره ومن زيارة الموت لمن هم مثله ومن يسقط شهيدا إلى جواره.. والأقسى ما يترتب على كسره أمام زميلاته وهن محتجزات وكسرهن أمامه، الامهات وانينهن وكسر الآباء الذين يفقدون أبناءهم.. ومشهد المصابين الذى لا ينتهي، كلها أمور تجعلنى أتألم بشدة لاوجاعهم، وأصر على أن الدماء لن تذهب هباءً وأن المجرم سيحاكم، وكأم تجعلنى دائما انصحه بأن يهتم بسلامته، وتجعله هو الآخر يطلب منى بإلحاح نفس الشي.. وكم من مرة أعده بعدم النزول ويعدنى بنفس الشيء ونجدنا فى مواجهة بعضنا البعض فى الميدان..الثورة أكدت لنا كم أن الخوف يقتل الروح، وأن الروح هى الأهم فى صنع حياة سعيدة.
ولهذه الأسباب ترفض جميلة إسماعيل الاكتفاء باللعنات أو الهروب أو الإحباط:
السياسة علمتنى ألا أكتفى باللعنات، وبأن المكاسب صغيرة مقارنة بالإصرار على حلم بدولة ديمقراطية لا يعيش فيها اولادى كما عشت تحت طغيان الحاكم وظلمه وجبروته. وعندما كنا نقف بالعشرات فى مواجهة كردونات الأمن المركزى الشرسة، لم نفقد الأمل فى عدالة قضيتنا، كنا نصدق أن الأوضاع لن تستمر مهما طال الظلم، واليوم عندى نفس الأمل مع شحنات زائدة من اكتشافاتى فى ميدان التحرير، اكتشافاتى لعناصر فى الشخصية المصرية لم اتخيل أنها ستكون فاعلة، اليوم نواجه بهذا الأمل إخطارا اكبر، نواجه بقايا النظام الذى تخدمه طريقة إدارة المرحلة الانتقالية، نواجه شبكات مصالح لديناصورات خرجت من الثورة جريحة وقسوتها تزداد بهذه الجراح وترى أنها معركتها الأخيرة، نواجه استعجالا للأحلام. تريد القطاعات التى عانت طويلا الشعور بتأثير الثورة، ويراقبون بدقة ملامح التغيير، ولأنهم عاشوا سنوات تجارب سرقة الاحلام أكثر من الإحباط وأحيانا يظهر بارتباكهم عداء لرغبة القوى الثورية فى استكمال الثورة، المعركة مفتوحة، والمستقبل أمام أعيننا، ولأول مرة نكسب بأيدينا الحق فى المشاركة، كل شخص فى مصر الان يشعر بالمسئولية فى صناعة المستقبل، لا كما كان فى الماضى المستقبل تحتكره الأبواب العالية.
جميلة ترى أن السلطة العسكرية تمارس يوميا انتهاكات وجرائم لن نصمت إزاءها، وقالت : هم يلوحون بل يحاولون هدم المعبد ليدفعوا الشعب لتقبيل بياداتهم، ليظلوا هم من يدافع عنهم، هم يمارسون قمعهم وكذبهم ونحن مصرون على كشفهم أمام عباد السلطة من مشاهديهم فى التلفاز، هم يريدوننا عبيدا..اسرابا من الزواحف، ونحن نريد الحفاظ على الثورة والحلم، هم للخلف در ونحن نريد التقدم أفرادا لا قطعانا
هل تعرضت جميلة إسماعيل للخيانة فى الانتخابات؟
لم أتعرض لخيانات لكنى قمت باختيارات، اخترت أن اكون مستقلة، لاحقق فكرة النائب المستقل، بعيدا عن تحالفات الفرز الدينى مع الإخوان أو مع الكنيسة بتوجيهات ساويرس وأمواله، اخترت أن أفشل فى هذه الانتخابات وكان بيدى أن أنجح، سواء بالمقعد الثالث الذى عرضه الإخوان بدلا من الأول لأننى امراة، أو على رأس قائمة ساويرس إذا انضممت لحزبه، رفضت دعم من يستغل الجامع او الكنيسة لإيمانى أن توجيه الاصوات من الجانبين مرفوض، رفضت دعم ساويرس المالى عندما علمت أنه يرغب فى إرضائى بعد ترشيحه لمرشح آخر، رددت المبلغ بشيك وقلت له فات زمن المسك بالعصا من نصفها ولا يمكنك اخلاقيا ان تدعم اثنين متنافسين فى ذات الوقت.. رفضت أن أفعل مثلما فعل مرشحه من استغلال الفقر والجوع فى شراء الأصوات والاستعانة برموز الوطنى واستخدام قيم ضد الثورة من أجل المكسب، فى انتخابات برلمان الثورة أرى أن الطريق إلى الكرسى ونقاءه أهم من الكرسى ذاته وأهم من القفز عليه، اكتسحت على مستوى الدوائر الشعبية ودوائر الطبقة المتوسطة مثل عابدين والازبكية والموسكى وخسرت بسبب أصوات لجان السيدات فى الزمالك التى التزمت بالتصويت لصالح الكتلة ومرشح ساويرس لثقتهم فيه، الفارق كان بسيطا والثلاثين ألف صوت اعتز بهم جدا باعتبارها لجميلة اسماعيل، فردى مستقل، التى بسمعتها وتاريخها كسبت ثقة هؤلاء وليس لمرشح كتلة او تحالف لم يكن ليحصل على عشر أصواته لو كان ترشح مستقلا، وهذا مرضٍ جدا بالنسبة لي