رسالة بخط يد أسامة الشيخ من سجن طرة لـ«الفجر»: ماذا يضير الشاة سلخها بعد ذبحها؟!
وصلتنى رسالة بخط يد المهندس أسامة الشيخ رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون، تعقيبا على مقال «اقتلوا أسامة الشيخ»، ننشرها كاملة تاركا مساحة التعليق عليها فى العدد القادم..
عزيزى أحمد
بعد التحية وكل الأمنيات الطيبة
لعلك تذكر أول لقاءاتنا فى أحد المقاهى بمنطقة الجامعة الأمريكية بناء على طلبى ودون سابق معرفة أو تشارك فى المرحلة العمرية، كان اللقاء حول مقالاتك حول حماية الابداع المصرى من الهجمات التى تحيط به للاطاحة به اما بالاستيلاء أو بالاحتواء أو بإعادة التشكيل، كانت مصر وستظل هى الهاجس والقضية التى شكلت كل حياتى المهنية ابتداء من مظاهرات 72 وحتى ثورة 2011 والمحطات كثيرة فى 18 و19 يناير وفى انتخابات برلمان 2000، وقد ترشحت معارضا وفى انتخابات رئاسة 2005 وقد تم التحقيق معى اثناءها ومرورا بتحويلى لقناة دريم إلى منبر للمعارضة، يتحدث من خلاله هيكل وإبراهيم عيسى ومجدى مهنا وفهمى هويدى ويحيى الجمل والإبراشى والغيطانى و.. غيرهم، حتى اضطررت لمغادرة مصر لمنفى اختيارى فى الكويت، ومنها عدت على «كرسى بعجل» بعد سقوطى فى حادث بالاستوديو.
ولما التحقت بالتليفزيون المصرى فقد رجعت له بعد سنوات طويلة من الاستقالة لاؤدى واجبا بين الوطنية والمهنية وبعيدا تماما عن السياسة، التى كان ابتعادى عنها فى ماسبيرو بناء على اتفاق واضح مع وزير الإعلام وقتها، وكان يعرف وجهة نظرى فى الأوضاع السائدة، وقد قبلت العمل من منطلق أن ماسبيرو فى النهاية يجب ان يتحول إلى تليفزيون الدولة ويملكه الشعب المصرى بكل أطيافه، ولأنه كان أمامى مساحة كبيرة ومجال مفتوح للعمل وكان اول أهدافى هو إعادة المشاهدين إلى تليفزيون وإذاعة بلدهم حتى لو بدأنا من الجانب الترفيهى والتثقيفى والفنى والمجتمعي، وقد تواكب ذلك مع حرب ضروس للإجهاز على بقايا تليفزيون الدولة من وكالات الإعلان والمحطات الخاصة المرتبطة برأس مال غير مصرى دون إدراك أن نجاح تليفزيون الدولة يخلق بيئة لنجاح الاعلام الخاص، الذى كان وراء ظهوره أيضا على يدى وعلى يد طليعة من الشباب الذين يديرون الآن أنجح المنافذ الإعلامية، وسيأتى الحكم على تجربتى يوما ما حتى لو جاء ذلك متأخرا.
ولعل مقالتك فى فجر هذا الأسبوع تكون إرهاصة لما سيأتى به التاريخ منصفا أو متجاهلا، كان منهجى فى العمل فى غاية البساطة فلدى شاشة وأمامى مشاهد حر، إذا أحس باحترامى له وقربى منه بالمهنية والوطنية ومواكبة العصر فسيعود حتما إلى نافذته التى سبق وأن شكلت وجدانه وظهر ذلك واضحا لما أطلقنا قناة التليفزيون العربي، حتى صدرت الأوامر بإيقافها بعد ثلاثة أسابيع، وقد كان سلاحى بعد الإيمان بالله وبقداسة المهمة التى أؤديها هم الشباب الموهوب المتعلم الذى التف حولى لما أتته الفرصة، وكانت جملتى الساحرة التى أصبحوا يتندرون بها: «نحن نعمل عند مصر ونعمل علشان خاطر مصر»، وربما تعلم يا أحمد أننى لم أكن عاشقا للكراسى ولو حاولت أن تتقصى ستعرف أن دخلى من هذا المبنى كان أقل بكثير من أى من المرءوسين تحت قيادتي، لقد حاولت أن أرمم البناء ليكمل من يأتى بعدي، ولكنهم حولوا ما حاولت تشييده إلى أنقاض.. وحاولت أن أترك بصمة فنالتنى صفعة.. وأى صفعة.
لقد قضيت 14 شهرا فيما يسمى الاتحاد وكان حلمى أن أحقق ما ينقص هذا المبنى ليستمر حيا، وكانت خطتى قد اكتملت لإعادة تدوير ممتلكات الاتحاد، وإعادة هيكلته إداريا وماليا، ثم تأهيل العاملين فيه بالتثقيف والتدريب ضمن الهيكلة الجديدة، بما يتفق مع العصر وطبيعة الإعلام الحديث، وربما يأتى يوم ننقل فيه هذه الرؤية لمن يتولون المسئولية وقتها، لأن التحدث فى ذلك الآن وأنا سجين فاقد الأهلية، ربما يوحى بأنى أتمسح وبالتأكيد فإن رؤيتى تلك ستفتح على أبواب جديدة من العصف والتدمير.
لقد أطلت عليك يا أستاذ احمد، وربما كانت مقالتك فى جريدة الفجر دافعا لى للفضفضة من شخص عزيز أحترمه، وقد صار المحترمون أقلية، وكانت فرصة لى أن أحصل على ليلة مختلفة من ليالى السجن الطويلة والرتيبة، أكتب فيها خطابا وكأنى أكتب لنفسي، فلك كل الشكر على ما كتبته وربما كان لا يهم القراء، وربما كان اعتراضى على العنوان، لأن قتلى قد تم منذ شهور طويلة وقد تفرق دمى بين كل قبائل الجهل والظلم والظلام والحقد والغطرسة والفشل.
نعم يابو حميد ولست مبالغا فلو حكيت لك عن كل الاطراف التى سجنتنى وحاكمتنى وحكمت علي، فسوف تستشعر العجب، وهم يشعرون أنهم أجهزوا على بالكامل، فلا تستعديهم لإعادة القتل رغم أن الشاة لا يضيرها سلخها بعد ذبحها.
لقد قتلونى يا أحمد ودمروا اسرتى وفرقوها لكنهم لن يطمسوا الحقيقة التى يعرفها أبنائى من صلبى وابنائى فى المهنة، وأنا أتابع كل مايحدث فى دنياكم كأنى اعيش فى البرزخ الذى يسبق الحياة الآخرة، ونافذتى على دنياكم هى الزيارة التى تأتى من أفراد أسرتى كل أسبوعين، وكذلك صحافتكم الحرة والمبدعة.
أشكرك بالنيابة عن ابنائى وزوجتى وأسرتى ومن خلالك أشكر كل الشرفاء الذين واسونى فى محنتى بالزيارة او بالكتابة، أو بالبريد أو بكلمة الحق أو بالدعاء، ولعلها فرصة أن تنقل كل التحية والتقدير للسيدة الرائعة التى تزن مئات الرجال الاستاذة اسعاد يونس، وتنقل التحية والتقدير أيضا لصديقنا المشترك عمر زهران، وكل الاحباء الذين نتشارك فى الارتباط بهم لأنهم جنود للحقيقة والابداع.
وقد طلبت أن يرفق بهذا الخطاب مذكرة دفاعى التى تشرح من وجهة نظرى موقفى من القضية التى تمت إدانتى فيها وقد كتبتها بنفسى وللأسف فلم ينظر لها القاضى الجليل ولم يعرها اهتماما بالنظر ولم يرد بالاطلاع عليها فى حيثيات حكمه الذى قدمناه طلبا لنقضه، وادع الله لنا أن يتم قبول هذا النقض وفى وقت قريب، تقبل كل تحياتى وشكرى وتمنياتى الطيبة لك ولأسرتك وكل محبيك، وربما نلتقى فى قادم الأيام.
أسامة الشيخ
سجن طرة فى 8-12-2011