الأنصارى ترك منزله فى 19 نوفمبر ليسعف المصابين فعاد شهيدًا برصاصتين

أخبار مصر


زفة الشهيد رقم 45 من مشرحة زينهم إلى ميدان التحرير

الأنصارى ترك منزله فى 19 نوفمبر ليسعف المصابين فعاد شهيدًا برصاصتين


ليس مهما أن تكون أحد المشاهير، لكى يخلد اسمك.. ليس مهما أن يكون لك أصدقاء على «فيس بوك» أو تويتر، لتخرج مظاهرة حاشدة تهتف باسمك.. الآن ليس مهما اسمك أو لونك أو دينك، لكى يرفع الجميع صورك فى قلب ميادين التحرير، يكفى أن تكون شهيدا فى أحد هذه الميادين، حتى يخرج الآلاف لتشييع جثمانك، وتبكى خلفك آلاف الأمهات اللاتى سرن خلفك، حتى تتوقف جنازات الشهداء عن الخروج، خوفا على أولادهن.

فى 19 نوفمبر الماضى، خرج عشرات الآلاف من المصريين إلى ميادين «التحرير» فى كل أنحاء مصر، من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، احتجاجا على ما تعرض له أسر شهداء الثورة، ومصابيها، لكن بدلا من أن يحموا أهالى الشهداء، سقط منهم نحو 45 شهيدا وآلاف المصابين، حسب الأرقام الرسمية، التى تشكك فيها الكثير من الجهات غير الرسمية، وكان آخر الشهداء الذين سقطوا فى مذبحة «محمد محمود»، أحمد صالح الأنصارى، ذا الـ21 عاما، الذى شيع الثوار جثمانه من مشرحة زينهم الأسبوع الماضي.

الشهيد الأحدث للثورة، كان طالبا فى القسم التجارى بـ«فيوتشر أكاديمي»، هو الابن الأصغر من بين ثلاثة أشقاء، لأب يعمل فى التجارة، ويسكن بالقرب من مبنى مديرية أمن القاهرة، أما الأم فهى ربة منزل، وبحسب شهادتها للفجر، فقد خرج أحمد كغيره من ملايين المصريين فى مظاهرة دار القضاء العالى، فى 25 يناير الماضى، لأول مرة فى حياته، ووقتها عرف معنى الوطن، حينما رفع صوته بنداء الحرية، وواجه مع أصدقائه قوات مبارك- العادلى مساء اليوم الأول للثورة، فى ميدان التحرير، ورغم أنه عاد لمنزله متأخرا فى هذا اليوم، إلا أنه أصر على استكمال الطريق الذى بدأه، ونزل مجددا فى الأيام التالية، حتى يوم جمعة الغضب، التى وجد نفسه فيها وسط عدد كبير من المصابين فى ميدان التحرير، والذين حاول إسعافهم فى المستشفى الميدانى خلف مطعم «هارديز»، ووقتها أدرك أن مهمته النبيلة هى إسعاف المصابين.

واستمر أحمد فى أداء واجبه الإنسانى فى إسعاف المصابين يوم موقعة الجمل، وبعد خلع مبارك، أصر أن يحصل على دورة إسعافات أولية، وعاد إلى «التحرير» ليخدم مجددا فى مستشفياته الميدانى، مع تفجر الموجة الثانية للثورة، فى 19 نوفمبر الماضى، ووقتها انضم إلى كتائب المسعفين المجهولين، التى كانت تنقل المصابين من شارع محمد محمود إلى المستشفيات الميدانية.

وطوال الليلة الأولى للمواجهات بين الثوار وكتائب الأمن المركزى فى يوم 19 نوفمبر، ظل أحمد يعمل فى إسعاف المصابين، حتى صباح اليوم التالى، عندما دخل إلى شارع محمد محمود، لإسعاف أحد المصابين، لتطلق عليه كتائب الشرطة رصاصتين، حسبما ذكر لنا خاله، أحمد سامى، واستقرت رصاصة فى الظهر والثانية فى الرقبة، حيث اخترقت حبله الشوكى، مما تسبب فى إصابته بالشلل.

وتقول والدته إنه كان نائما ظهر يوم السبت، عندما سمع فى النشرات، أخبار اعتداء الشرطة على مصابى الثورة، فقرر النزول إلى ميدان التحرير، وعندما حاولت منعه، طمأنها قائلا: «أنا دورى إسعاف المصابين»، لكنه سقط فى مكان «خدمته»، لينقله مسعفون آخرون إلى المستشفى الميدانى، وتم نقله لمستشفى قصر العينى، الذى استخرج أطباؤه رصاصتين من جسده، فى نفس الوقت الذى بذلوا فيه محاولات لإنعاش قلبه، الذى استجاب لمحاولاتهم، رغم توقف المخ عن العمل، وهو ما دفع الأطباء لوضعه على جهاز التنفس الصناعى لمدة 21 يوما، وحدد الأطباء موعدا لإجراء عملية جراحية له، إلا أن حالته الصحية استمرت فى التدهور، مع إصابته بضمور فى خلايا المخ، وقال الأطباء إنه يحتاج لمعجزة.

وفى صباح يوم الأحد الماضى، حسبما ذكر والده، تم فصل الأجهزة الطبية عنه، بحجة إجراء أشعة له، رغم أنه يعيش بمساعدة تلك الأجهزة، وعندها فارق الحياة، وبعد انتشار خبر وفاته، أسرعت أعداد كبيرة من النشطاء إلى المستشفى، ليفاجأوا بأن تقرير المستشفى يؤكد أن الوفاة بسبب «نقص الأكسجين والسكتة القلبية»، وهو ما استنكرته أسرة الشهيد

ويقول أحمد سامى، إن ابن شقيقته أحمد وصل إلى المستشفى مصابا برصاصتين، وليس بسبب نقص الأكسجين، وأنهم قاموا بنقله إلى مشرحة زينهم، ليبتوا فى إصابته، حتى يأخذوا حقه، حيث خرج تقرير الطب الشرعى ليثبت وفاته متأثرا برصاصتين، وعندها امتلأت الشوارع المحيطة بالمشرحة بعشرات الآلاف من شباب الثورة، الذين حملوا نعشا رمزيا ملفوفا بعلم مصر، وانتظروا انتهاء تشريح جثمان الشهيد.

وتحول موكب الشهيد أحمد صالح الذى توجه لمسجد السيدة نفيسة، إلى مظاهرة رفعت فيها أعلام مصر 25 يناير، وارتفعت هتافات الثوار «وحياة دمك يا شهيد.. ثورة تانى من جديد»، ووصلت الجنازة إلى مسجد السيدة نفيسة، ليتم دفنه فى مقابر أسرته، وبعدها توجهت المظاهرة حاشدة لميدان التحرير، رافعة صور أحدث الشهداء