محمد الباز يكتب : .. لعبة اللحية والكاب

مقالات الرأي


محمد حسان علاقته غامضة بالمجلس العسكرى.. وموقفه من حزب النور كان صادمًا


حسان أنقذ البسطاء من استغفال السلفيين لهم.. لكنه لايزال يدفع ثمن اقترابه المميز من جنرالات المجلس العسكرى


كان الشيخ محمد حسان صادما ومفزعا لمريديه عندما هجم هجمته الشرسة على مرشحى حزب النور، كان المرشحون يستغلون جماهيرية وشهرة وتأثير محمد حسان فى الترويج لحزبهم.. كانوا يقولون للناس البسطاء إن هذا هو حزب الشيخ محمد حسان.. كانت هذه هى كلمة العبور.. فالرجل رغم أنه أحدث سنا من مشايخ السلفية الكبار إلا أنه الأكثر حضورا فى الشارع.

حصد السلفيون فى الجولة الأولى مقاعد كثيرة بوضع يدهم على كتف الشيخ محمد حسان الذى كان غائبا خلال الجولة الأولى من الانتخابات- حسان أجرى جراحة ناجحة فى القلب خلال أيام الجولة الأولى كلها ولم يظهر وقد رزقه الله خلال هذه الأيام أيضا بمولود أطلق عليه اسم نور الدين.

عندما عاد الغائب وضع حدا لما اعتبره استغلالا سياسيا لاسمه وصورته ومكانته وشهرته وجماهيريته، وصف من وضعوا صورته بأنهم ميكافيليون أخذوا منه وسيلة لتحقيق أهدافهم دون موافقته.. وطلب بألا يضع أحد من المرشحين صورته على أى دعاية انتخابية.. لأنه يكتفى بدوره كداعية وواعظ فقط.. وهو بهذه الصفة للمصريين جميعا وليس لتيار أو فئة.

ما قاله محمد حسان يمثل انقلابا، وضعه فى دائرة الشبهات، وتحديدا فيما يتعلق بعلاقته بالمجلس العسكري، وهو ما جعل الصحيفة التى يمتلكها ويرأس مجلس إدارتها شقيقه محمود حسان تواجهه بالسؤال الذى يحاصره وهو: هل عقدت صفقة مع المجلس العسكري؟.. فأعاد ما سبق وقاله قبل ذلك عن أن المجلس العسكرى هو الضمانة الوحيدة لأمن الوطن.

علاقة محمد حسان كانت ولا تزال غامضة ومريبة ومرتبكة بالمجلس العسكري، وكان مفهوما لدى ما ردده البعض عن أن الرجل يستخدم الآن لوقف زحف السلفيين إلى البرلمان، وهو أمر يمكن أن يكون المجلس العسكرى يسعى إليه حتى يحدث نوعا من التوازن فى البرلمان القادم.

استخدام حسان من قبل المجلس العسكرى يبدو من وجهة نظر من يرجحونه فى اختفائه خلال المرحلة الأولى للانتخابات رغم أن حزب النور استخدم رأيه فيه كأوراق اعتماد لدى الناخبين.. بل إن هناك من يشكك فى أن يكون الشيخ حسان أجرى عملية فى القلب من الأساس.. وأن غيابه عن الساحة كان غيابا سياسيا بالدرجة الأولي، حتى لا يتورط فى تأييد حزب النور أو الظهور فى مؤتمراتهم.

ثم جاء تبرؤه من الحزب ورفض استخدام صوره كضربة قاصمة جعلت حزب النور مرتبكا بالفعل، فرغم أن هناك مشايخ كبارًا فى صفوف السلفية إلا أن ثقل حسان لا يعادله ثقل.. وتأثيره لا يساويه تأثير.

يبقى هذا بالطبع فى إطار التحليل.. لكنه يفتح مساحة أخرى من وضعية محمد حسان فى الحياة السياسية بعد الثورة مباشرة.. فقد استخدمه الجميع من أجل تحقيق أغراضه، ولأنه يعرف مهمته جيدا فقد تجاوب مع كل اتجاه بما يخدمه هو فى النهاية.

قبل أيام قليلة وضع مناهضون لمحمد حسان فيديو على شبكات التواصل الاجتماعى ( تويتر والفيس بوك) يتحدث فيه عن علاقته بأمن الدولة، وهو الحديث الذى بدا منه أن علاقة الرجل كانت جيدة بقيادات فى أمن الدولة السابق.. وهو ما جعل من الطبيعى أن تكون له علاقات جيدة بقيادات المجلس العسكري، فالرجل يضع نفسه من السلطة فى موضع لا يجعله يخسر كثيرا، وهو ما يقتنع به تماما.. ويؤديه بنفس راضية مرضية.. والدليل أنه يعلنه على الملأ.. لأنه لا يعتبر ما يفعله خطأ لا من الناحية السياسية ولا من الناحية الدينية أيضا.

لقد تعامل المجلس العسكرى مع محمد حسان على أنه رجل الإطفاء الذى يمكن أن يستخدمه فى إنهاء الأحداث الطائفية، وقد نجح بالفعل فى احتواء أزمة أطفيح لأنها كانت أزمة طائفية فى المقام الأول، ورغم أن ما فعله لم يكن نجاحا كاملا، فلم يقدم المذنب إلى جهات التحقيق.. إلا أن عناق المسلم والمسيحى فى القرية تم اعتباره تكليلا لجهود الشيخ حسان بالنجاح.

لكن عندما جرب المجلس العسكرى الأمر مرة أخرى فى أحداث قنا بعد أن اعترض السلفيون على تعيين محافظ قبطى للمحافظة بعد مجدى أيوب لم ينجح حسان بنفس القدر رغم أنه سافر بنفسه إلى قنا، وكان عازما على أن ينهى الأمر.. وهو ما جعل المجلس العسكرى يخفف من تعاونه مع الشيخ السلفى الكبير، فهو من ناحية لا يقدر على شيء.. ثم إن هناك مشاكل حقيقية فى علاقة المسلمين بالأقباط لا تستطيع أن تنهيها الكلمات حتى لو طيبة.

كان الشيخ محمد حسان يظهر كثيرا وهو محاط برجال الجيش، وقفته بينهم وجلسته إلى جوارهم كانت تقول الكثير، وتدل على المكانة التى يحتلها لدى الجنرالات.. لكنه وفى لحظة معينة قرر أن يتفرغ لعمله الدعوى وهو ما أعلنه صراحة، بل إنه جعل نفسه على الحياد تقريبا من النشاط السياسى للسلفيين.. فلا هو رفض عملهم ولا هو دعمهم وجلس فى انتظار ما سوف تسفر عنه الأمور.

عندما تتفحص تصريحات حسان تجده يسير على أكثر من موجة مع المجلس العسكري، فهو مرة محدد معهم يحذرهم من الخروج إلى الشارع بلا عودة مرة أخرى إلى ثكناتهم، ومرة يؤكد أنه يجوز انتقاد المجلس العسكرى لأنه يقوم بدور الحاكم، ولابد من التفريق بينه وبين الجيش كمؤسسة محترمة لا يجب الاقتراب منها.. وهى تصريحات تسير على موجة الرأى العام ولا تعانده أو تخالفه.

ثم تجده ناعما كالحرير وهو يتحدث عن المجلس العسكري، ولا يمكن أن تنسى له ما قاله وهو على جبل عرفات، والكلام له نصا: «أقسم بالله العظيم وأنا أرتدى الآن ملابس الإحرام.. لو انكسر الجيش المصرى مثلما انكسرت الشرطة لن يأمن أحد من المصريين فى غرفة نومه حتى لو أغلق جميع نوافذ مسكنه».

هذا الكلام تحديدا جعل الشيخ محمد حسان هدفا لهجوم حاد وعنيف جدا من الشيخ وجدى غنيم الذى قال نصا أيضا: «إنك يا شيخ حسان من أيام مبارك وأنت تدافع عن الظالمين وتحرم الخروج عليهم ولا أفهم ما سر الاستماتة فى الدفاع عن مبارك ثم الدفاع عن الشرطة ثم الدفاع عن المجلس العسكرى رغم جرائمهم ضد الشعب، فاتق الله ولا تدافع عن باطل».. وهو ما يمكن اعتباره تعرية تامة لمواقف وسيرة محمد حسان السياسية.

سأستخدم حسن النية مع الشيخ محمد حسان.. وأبحث عن توصيف حقيقى لعلاقته بالسلطة فى صورها المختلفة.. إنه رجل دين يعرف أن طاعة أولى الأمر واجبة، ودرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، وقد يرى أن انحيازه للسلطة يمكن أن يكون أكثر فائدة من معاداة السلطة أو النظام.. فما الذى يمكن أن يجنيه هو أو غيره إذا أصبح خصما للنظام.. إنه يمكن أن يؤدى وظيفته كاملة لو كانت علاقته طيبة بالسلطة.. أما إذا عاندها فإنها يمكن أن تقف حجر عثرة بينه وبين ما يريده.

هذه العلاقة قد تكون نموذجية تماما بالنسبة للشيخ حسان أو من يسيرون على طريقه، لكنها كان يمكن أن تكون صالحة ونافعة فيما مضي.. عندما كانت السلطة بارعة فى تسكين كل الأمور حتى لو كانت تسبح على بحر من الفساد.

لكن الآن نحن أمام مرحلة فرز سياسى ووطني، إن محمد حسان من الذكاء الذى يجعله يعرف أنه يتم استخدامه سواء من المجلس العسكرى أو حتى من جماعته التى خرجت عن قناعاتها ودخلت المعترك السياسي.. وهذا الذكاء هو الذى يجعله يمنح نفسه فى الوقت الذى يريده ويحجبها فى التوقيت الذى يشاءه، ولذلك فإنه لا يخسر أبدا حتى لو اعتقد البعض فيه ذلك.

الآن انتهت اللعبة.. الكاب كان فى مواجهة اللحية.. وقد يركن الشيخ محمد حسان الآن إلى نفسه ليحصى مكاسبه وخسائره مما جرى له ومعه خلال الشهور الماضية.. إنه الآن على المحك.. على طول المدى متهم بانحيازه للمجلس العسكرى ودفاعه عنه وعقد صفقات معه - لا يوجد دليل على أى منها - وفى الوقت نفسه ينظر له السلفيون أنه تخلى عنهم ولم يساندهم فى معركتهم التى ستمكنهم من تمكين شرع الله فى الأرض.. ولابد أن الرجل وقيادات السلفية سيدخلون معه فى مشاحنات حتى ولو مكتومة، فإن الرجل لن يخسر بسببها كثيرا ليس فى الشارع العادي.. ولكن لدى جموع السلفيين الذين يعتقدون أنهم يدخلون حربا ضد الكفار.

قد يكون محمد حسان راضيا عن نفسه تماما.. وهذا يكفيه الآن على الأقل.. فهو يفعل ما يعتقد أنه صواب بصرف النظر عما سيخسره.. وإن كنت أعتقد أنه لا يخسر أبدا ولا يخسر بسهولة.

هل يحتاج الشيخ محمد حسان أن يعيد حساباته مرة أخري؟ أعتقد أن هذا أصبح لازما.. فلا أحد يقترب من السلطة وينجو من الخطر.. ولا أحد يلعب فى المساحة بين الدين والسياسة دون أن يتلوث.

لا يمكن أن نجزم بشيء فيما يتعلق بمحمد حسان الآن.. فبعد الانتخابات البرلمانية واستقرار كل تيار على مقاعده.. ستبدأ جولة جديدة مع محمد حسان، الذى يمكن اعتباره أكبر نموذج على استخدام الدين فى السياسة.. وهو استخدام الخسائر فيها ليست حقيقية.. والأرباح أيضاً كذلك