«حاسون» كلمة السر فى صفقة «جرابيل» يكشف تفاصيل الأيام الأخيرة للجاسوس

العدو الصهيوني


«حاسون» كلمة السر فى صفقة «جرابيل» يكشف تفاصيل الأيام الأخيرة للجاسوس

■ مسئولون فى المركز الأكاديمى الإسرائيلى حذروا «جرابيل» من الاختلاط بالمصريين لأنه مرصود أمنياً





لم تزد الفترة التى قضاها الشاب إيلان جرابيل، المتهم بالتجسس لحساب الموساد الإسرائيلي، فى السجون المصرية على 4 أشهر، لكنها فيما يبدو كانت كافية لتمثل صداعا فى رأس الأطراف الثلاثة المعنية بالقضية، وهى السلطات المصرية، التى ألقت القبض على جرابيل، والحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية، اللتين يحمل المتهم جنسية بلديهما، لذلك جاء قرار الإفراج عنه صباح يوم الاثنين الماضى، ليريح جميع الأطراف، فجرابيل تحول إلى عبء ثقيل، وشخصية غير مرغوب فيها بالنسبة للجميع، لذلك لم يكذب رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتانياهو خبرا فور تلقيه مؤشرات من الجانب المصرى، لرغبته فى إطلاق سراحه، فكلف كلا من عضو الكنيست عن حزب كاديما، يسرائيل حاسون، والمحامى إسحاق مولخو، بالسفر إلى القاهرة لإتمام صفقة الإفراج عنه.

وحتى وقت قصير من إطلاق سراح جرابيل، كانت تفاصيل الصفقة سرية تماماً، قبل أن تكشف عنها صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، فور إنهاء إجراءاتها، حيث نشرت الصحيفة تقريرا أشارت فيه إلى الدور الذى لعبته العلاقات الطيبة التى تجمع عضو الكنيست الإسرائيلى يسرائيل حاسون، مع عدد كبير من المسئولين فى جهاز المخابرات المصرية، لإتمام الصفقة فى زمن قياسى، فقد التقى حاسون فور وصوله إلى القاهرة عدداً من المسئولين من المخابرات المصرية، داخل مبنى الجهاز، وذكرت الصحيفة أنه لقى ترحيبا كبيرا، وطلب منهم أن يلتقى جرابيل قبل إتمام الصفقة، وهو ما تم بالفعل.

وذكر التقرير «عدداً أقل من خمس دقائق من استدعاء جرابيل، فُتح الباب، ودخل منه الشاب، وعلى وجهه ابتسامة مقتضبة، فنهض كل من يسرائيل حاسون وإسحاق مولخو احتراماً له، ولمصافحته والاطمئنان عليه، لكن جرابيل فاجأهما بالحديث معهما باللغة العربية، وعندما سأله حاسون بالعبرية: كيف حالك، رد عليه جرابيل باللغة العربية: الحمد لله، وهنا فقد حاسون هدوءه، وانفعل عليه قائلا: ماذا جرى لك، هل نسيت التحدث بالعبرية؟ لقد أتينا من إسرائيل خصيصا من أجلك، أنا عضو الكنيست يسرائيل حاسون، وزميلى هو المحامى إسحاق مولخو، ونحن هنا لإتمام صفقة الإفراج عنك».

ورغم أن علامات الرضا بدت على وجه جرابيل، إلا أنه لم ينفعل، وقال لهم إن الطعام الذى يتناوله فى السجن جيد إلى حد كبير، كما أن إدارة السجن سمحت له بدخول الصحف والكتب، مع حذف المقالات والأخبار التى تكتب عنه، وخلال الجلسة التى تم تسجيلها بالصوت والصورة، حكى جرابيل لضيوفه عن فترة تجنيده فى الجيش الإسرائيلي، وأنه كان ينوى السفر إلى مصر فى الصيف، حتى يتسنى له السفر إلى إسرائيل فى شهر أغسطس الماضى، للتجنيد الاحتياطى.

وأشارت الصحيفة فى تقاريرها إلى مدى سذاجة جرابيل الذى يتحدث داخل مبنى المخابرات المصرية عن رغبته فى التجنيد للجيش الإسرائيلي، وهو ما دفع حاسون لمقاطعته محاولا تغيير الموضوع، فبدأ جرابيل فى الحديث عن جولاته فى مصر، والاماكن التى قام بزيارتها قبل القبض عليه.

وذكرت «معاريف» أن جرابيل تلقى تحذيرات من مسئولين إسرائيليين فى شهر أبريل الماضي، قبل القبض عليه بنحو شهرين، خلال زيارته للمركز الأكاديمى الإسرائيلي، الذى يطل على نيل القاهرة، والمعروف لدى المثقفين المصريين بمركز التجسس الإسرائيلي، بعد أن تباهى أمامهم بمغامراته فى مصر، والصداقات التى كونها مع المتظاهرين فى ميدان التحرير، وروى أحد الذين حضروا اللقاء، أنه كان يحكى بحماس شديد كيف كان يوجه الشباب وطلاب الجامعات فى ميدان التحرير، للاحتجاج ضد السلطة الجديدة، وهو ما رد عليه المسئولون فى المركز بالتوضيح له أن مصر تمر بظروف غير طبيعية، وهو ما يجعل تواجده فى أماكن حساسة للغاية، سيكون له نهاية سيئة، مؤكدين له أن الأجهزة الأمنية فى مصر يقظة للغاية، وأنهم يعرفونه، وعلى دراية بكل تحركاته داخل مصر، وطالبوه بالابتعاد عن المتظاهرين نهائيا.

وأضاف التقرير أنه فى يوم 12 يونيه الماضي، تم القبض على مجموعة من شباب المتظاهرين، أكدوا خلاله وجود شاب أجنبى بينهم، يتحدث العربية، وأنه قام بتحريضهم على حرق أقسام الشرطة، وعلى الفور تم إخضاع جرابيل للمراقبة الدقيقة، وبعدها بأيام قليلة، توجهت قوة من أجهزة الأمن المصري، يتقدمهم المحامى العام لنيابات أمن الدولة، المستشار هشام بدوي، إلى الفندق الصغير الذى يقيم فيه جرابيل للقبض عليه.

ولحسن حظ جرابيل، خلال إحدى مراحل التحقيقات، تم عرض نص الحوار «التحذيري» الذى تم داخل المركز الأكاديمى الإسرائيلى له، الذى أوضح بصورة كبيرة أنه بعيد كل البعد عن الشكل «الكلاسيكى» لعملاء الموساد، ووقتها تأكدت إسرائيل أن مصر لن تورط نفسها فى محاكمته، حسب تأكيدات أحد المسئولين الإسرائيليين، وقررت تل أبيب الابتعاد عن القضية، وألقت الكرة فى ملعب السفارة الأمريكية بالقاهرة، لتباشر القضية بنفسها، وبالفعل قام القنصل الأمريكى فى القاهرة بزيارة جرابيل فى السجن، بعد أيام قليلة من القبض عليه، بينما تابع نظيره الإسرائيلى يعقوب دافير الأمر عن بعد، وقام بزيارته بعد شهر من القبض عليه.

وخلال فترة احتجاز جرابيل فى مبنى تابع للمخابرات المصرية بحى مصر الجديدة، كانت حالته النفسية جيدة للغاية، حسبما جاء فى التقرير الإسرائيلى، ولم يشك من ظروف السجن، وقال أحد المسئولين الإسرائيليين الذى كان متواجدا فى القاهرة فى تلك الفترة، إن الجنسية الأمريكية التى يحملها جرابيل، منعت السلطات فى مصر من إيداعه فى السجن العادي، خوفا من تحرش السجناء به، كما تأكدت إسرائيل من أنه لم يتعرض للتعذيب داخل السجن، وهو الانطباع الذى تبلور بشكل كاف لدى حاسون ومولخو، خلال مقابلتهما مع جرابيل.

وقبل فترة من إطلاق سراح جرابيل، تم توجيه الدعوة لوالديه لزيارته، وأثناء تواجدهما فى القاهرة، انتشرت فجأة شائعة إصابة جرابيل بمرض مزمن، وتمت مطالبة أمه بإحضار المستندات الطبية التى تؤكد انتقال المرض لابنها بالوراثة، وعلى الفور التقطت تل أبيب وواشنطن الرسالة، والتى مفادها أن المجلس العسكرى فى مصر يبحث عن مخرج للخروج من الأزمة، وهو ما دفع وزير الدفاع الأمريكى ليون بانيتا، إلى تأكيد أنه سيحضر جرابيل معه على نفس الطائرة التى ستقله إلى واشنطن، خلال الشهر الماضي.

وكشفت «معاريف» أيضا عن تفاصيل جديدة، نقلا عن أحد المسئولين المصريين الكبار، الذى قال «لم نكن ننوى الإفراج عن جرابيل قبل جلعاد شاليط، وأبلغنا الأمريكيين والإسرائيليين بأننا لن نفرج عنه قبل الإفراج عن السجناء الفلسطينيين»، وهو ما أكده أحد المسئولين الإسرائيليين الذى كشف للصحيفة «فى المرحلة الأولى، خطط المصريون لطرد جرابيل إلى الولايات المتحدة بشكل نهائي، وبعد ذلك قرروا القيام بصفقة ترضى البدو فى سيناء، وفى خطوة مفاجئة، وبعد سنوات من التجاهل، ذهب دبلوماسى من السفارة المصرية فى تل أبيب لزيارة السجناء البدو المسجونين فى إسرائيل، وقام بإعداد قائمة بأسمائهم، وعلى الفور طالبت القاهرة بالإفراج عنهم مقابل تسليم جرابيل، وأضاف المسئول الإسرائيلى «أدركنا فور تقديم قائمة أسماء السجناء، أن الصفقة ستكون بيننا وبينهم، وليس مع الأمريكيين، لذلك سيتم طرد جرابيل إلى إسرائيل، وليس إلى الولايات المتحدة».

وأرجعت الصحيفة الفضل فى الإفراج عن جرابيل إلى عضو الكنيست يسرائيل حاسون، الذى قالت إنه تجمعه علاقات جيدة للغاية مع عدد كبير من مسئولى أجهزة المخابرات العربية، بحكم عمله فى جهاز «الشاباك» الإسرائيلى لأكثر من 23 عاما، وهو من مواليد مدينة دمشق السورية، قبل أن يهاجر إلى إسرائيل مع أسرته عبر الحدود التركية، عندما كان فى السابعة من عمره، وهو يجيد اللغة العربية بطلاقة، مما جعله المبعوث الدائم لرؤساء الوزراء الإسرائيليين إلى الدول العربية، وجمعته علاقة شخصية بالرئيس المخلوع حسنى مبارك، حيث كان دائم السفر إلى القاهرة، كما قام بتكوين صداقات حقيقية مع عدد كبير من مسئولى المخابرات فى مصر والعالم العربي، ومن خلال هذه العلاقات قدم مساعدة كبرى لتوفيق التراوي، رئيس المخابرات الفلسطينية، عندما نجح فى نقل ابنه للعلاج فى أحد المستشفيات الإسرائيلية، بعد تعرضه لحادث طريق، وأشرف بنفسه على عملية نقله من المعبر إلى مستشفى «هداسا» الإسرائيلي، وهو يرى أن هذه المواقف تجعل الطرف الآخر، أيا ما كان، على استعداد لأن يقدم عينيه دون تردد إلى إسرائيل.

ونقلت «معاريف» عن حاسون تفاصيل حول صداقاته التى كونها مع رجال المخابرات المصرية، الذين كانوا يستقبلونه فى المطار، ويحجزون له الغرف فى الفنادق الفاخرة، ويقضون معه الأمسيات الليلية فى مقهى «الكبابجي» أسفل فندق شيراتون الجزيرة، وذكرت الصحيفة أن مساعد عمر سليمان، الرئيس السابق لجهاز المخابرات، كان يقوم شخصيا بإحضار الشيشة و«رص» الفحم له.

وأشار التقرير إلى أن من ضمن المشاعر التى يتذكرها حاسون عن علاقاته بالمسئولين المصريين، مباركته وسعادته لميلاد حفيد أحد مسئولى المخابرات المصرية، من المشاركين فى صفقة جرابيل، وتأكيده أن شعوره بالسعادة كان مضاعفا، وكأنه أحد أصدقائه فى إسرائيل.