عادل حمودة يكتب : أعضاء المجلس العسكرى يجيبون كتابة للمشير ..

مقالات الرأي


! الإخوان طمأنوا الأمريكان: نحن مع كامب ديفيد ولن نقف ضد مطالب الأقباط

أسرار تنشر لأول مرة

سر قسم المجلس العسكرى بدون المشير يوم نزول الجيش.. ومن أجبر مبارك على السفر إلى شرم الشيخ بعد أن أصر على البقاء فى القاهرة؟.. ولماذا تغير الزى العسكرى للجنود والضباط يوم تنحيه؟



تكليف عاجل ــ يشبه الواجب المنزلى صدر إلى أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة يطلب منهم كتابة السيناريو السياسى الذى يتوقعونه لو لم تكتمل انتخابات مجلس الشعب المقرر إجراؤها فى نهاية شهر نوفمبر القادم.

إن هذه المجموعة من القادة هى نفسها المجموعة التى قررت فور أن طلب مبارك نزول الجيش إلى الشارع ألا تعود إلى ثكناتها إلا بعد أن يرحل النظام.. وأقسمت فيما بينها على المصحف أن تحافظ على سرها الذى لو كشف فإنهم جميعا كانوا سيحاكمون بتهمة الخيانة العظمى ويعدمون رميا بالرصاص فى تبة نار معسكر دهشور.. وهو سر لم ينشر من قبل.

الوحيد الذى جنبوه عدم القسم على المصحف هو رئيسهم.. المشير حسين طنطاوى.. فموقفه كان لا يزال يتسم بالحرج.. وإن انحاز لزملائه فى النهاية.. ورفض طلب مبارك أن يبقى فى بيته بالقاهرة.. وأصر على أن يغادر العاصمة إلى شرم الشيخ.. وهو سر آخر لم ينشر من قبل.

وبعد أن ساند الجيش الثورة خشى من أشخاص مجهولين يمكن أن يرتدوا ملابسه العسكرية.. ويطلقون رصاصا على مدنيين.. فيصبح بين الشعب والجيش دم.. فكان أن دخل الجنود مدرعاتهم ومركباتهم يوم تنحى مبارك بزى عسكرى.. وخرجوا بزى آخر.. وهذا سر ثالث لم ينشر أيضا.

أما السر الأخير.. فهو تكليف الجنرالات الكبار بكتابة تصوراتهم لما سيحدث لو واجهت الانتخابات عوائق تمنع استكمالها.. وهو تكليف فى حد ذاته يعنى أن المجلس ــ وهو السلطة العليا والقوية الوحيدة فى البلاد ــ يشعر أن الظروف الصعبة التى ستجرى فيها الانتخابات ستفجر أحداثا تمنع إتمامها.

بل.. ربما كانت لحظة الانتخابات هى ساعة صفر الفوضى التى تفوح رائحتها وتتصاعد مظاهرها وتسخن أعراضها من الآن.

إن عجز الأمن عن السيطرة وتمرد رجاله وزيادة نفوذ البلطجية وخوف الجيش من تكرار الصدام على طريقة ماسبيرو، وشدة التوتر المسيطرة على القوى السياسية المختلفة ستحفر مجرى لنهر تسيل فيه دماء ضحايا أبرياء لا ذنب لهم سوى أنهم مارسوا واجبهم الوطنى.. الديمقراطى.. فلو كانت الانتخابات السابقة الآمنة أوقعت قتلى وجرحى تسببوا فى توتر وغضب.. فما بالنا بانتخابات مصيرية ساخنة وعشوائية.. خالية من الرحمة والحكمة والطمأنينة.

ويرفض ثمانون فى المائة من القضاة تنفيذ مهمة الإشراف على التصويت.. وقدموا لمجلسهم الأعلى اعتذارات واضحة.. وإن رفضت.. أما السبب فهو أن الواحد منهم لن يقدر بمفرده على حماية حياته ولجنته وصناديقه من العنف والعبث.. خاصة بعد ما جرى لهم فى محاكمهم.. حيث تعرضت قاعات الجلسات للتحطيم وحياتهم للخطر لأسباب أقل أهمية.

ولو تغيب عدد قليل منهم عن الحضور للدوائر الانتخابية التى سيشرف عليها، فإن ذلك يكفى للطعن فى عدم صحة النتيجة.. وهو ما يعرض الانتخابات ذاتها للبطلان أمام المحكمة الإدارية العليا.. الجهة الوحيدة المختصة قانونا.

يضاف إلى ذلك صعوبة تطبيق القانون بشطب المرشح الذى يستخدم دعاية دينية أو يقدم رشوة انتخابية أو يستخدم لغة تحريضية مثلما فعل المرشح الإخوانى فى الإسكندرية صبحى صالح الذى وصف كل من يحاول تهميش الإخوان بأنه يلعب بالنار.. و«هاتحرقه».. ولو طلع حد من الفلول «حندفنه».. ليس عندهم أقل من الحرق والدفن.

دماء ستنفجر.. وعنف يهدد بقتل.. وقضاة خائفون.. وناخبون مرتعشون.. ومرشحون منفلتون.. وبطلان متوقع بحكم قضائى.. فلماذا نذهب إلى الجحيم ونحن نعرف مسبقا أننا سنحترق فى أتون نيرانه؟

لكن.. السؤال الأخطر والأهم هو: هل يريد المجلس العسكرى ألا تكتمل الانتخابات؟.. أغلب الظن أن الإجابة «نعم».. فالنتائج المتوقعة بفوز التيارات السلفية والإخوانية والجهادية بجانب المتحولين من الحزب الوطنى تثير مخاوفه وهواجسه.. وربما تهدد مستقبله.. وتواجده.. وسلطاته أيضا.

والحقيقة أن هذه التيارات ــ فى ظل تشرذم القوى الوطنية والليبرالية والثورية والقبطية والمدنية ــ تظهر على الساحة بأضعاف أضعاف حجمها.. كما أن استخدامها للتفسيرات الدينية الخاطئة والمضللة ولجوئها للرشاوى الانتخابية المباشرة يضع فى صناديقها أصواتا لا تستحقها.. ويمنحها مقاعد ليست لها.. ويضيف إليها انصارا لا علاقة لهم بها.. وكانت نتيجة الاستفتاء بروفة للمسرحية الوهمية التى نعيشها الآن.

أما الخطأ الذى يندم عليه المجلس العسكرى فهو أنه وضع الحصان أمام العربة.. وجعل الانتخابات تسبق وضع الدستور.. وإن كنت أشعر أنه سيصدر وثيقة بالمبادئ الأساسية للدستور وبالاعتبارات التى يجب مراعاتها عند تشكيل اللجنة التى ستضعه بعد أن ينتهى الدكتور على السلمى من صياغتها.

وكان الدكتور على السلمى قد التقى قوى وتيارات سياسية مختلفة تمهيدا لوضع الوثيقة.. لكنه.. تعرض لجلطة فى المخ وهو فى دبى يزور ابنته دخل على أثرها مستشفى هناك.. وأثرت على قدرته على النطق وإن لم تؤثر على موهبته فى الصياغة.

ولاشك أن خروج الوثيقة بتصديق المجلس العسكرى وختمه وحماسه سيمنحها قوة النفاذ.. وسيخفف من اتهامه بالتحالف مع الإخوان.. وهو تحالف لجأ إليه بسبب ضعف خبرته السياسية وطول عزلته بعيدا فى الثكنات وتضليل البعض له بتورطه مع مستشارين متشددين دينيا دفعوا به إلى ما نحن فيه.

لقد كان المجلس يخاف التورط فى السياسة فوجد نفسه فى قلبها.. ولم يكن ليعرف الفرق بين السلفيين والصوفيين.. ولا بين محمد بديع وممدوح حمزة.. بجانب براعة الإخوان فى التقرب لسلطات الحكم وتملقها قبل الاختلاف معها والانقلاب عليها.. إن ذلك حدث من قبل مع جمال عبدالناصر وأنور السادات وحسنى مبارك نفسه.. شهر عسل بدون إزعاج.. سرعان ما ينقلب إلى خصام وخلع وطلاق وحرب تصل إلى إطلاق الرصاص.

ويدرك العسكريون أن الإخوان لا يريدون حكم مصر الآن.. فهم ليسوا من الغباء كى يتورطوا مع دولة تعانى متاعب أمنية واقتصادية ومطالب فئوية يستحيل على المدى القريب تحقيق نجاح يذكر فيها.. بل يصعب الحفاظ على حالتها.. إن قبولهم السلطة فى هذه الظروف يقضى عليهم ويكشفهم فى شهور قليلة إن لم يكن فى أيام معدودة.

وكل ما يريده الإخوان وشركاؤهم أن يهيمنوا على السلطة التشريعية كى يفرضوا من القوانين ما يحبون.. ويلغوا منها ما يكرهون.. فكل ما يهمهم أن تبرق القشرة الخارجية.. ولو كانت «فالصو».. وسيكون أول القوانين التى سيقترحون نسفها هى القوانين التى تنصف المرأة.. وتساويها بالرجل.. بدعوى أن كل ما يمت لها بصلة عورة.

كما أن هناك من يتوقع أن يستخدم الإخوان وحلفاؤهم البرلمان وسيلة لمساءلة أعضاء المجلس العسكرى ومحاسبتهم على ما كان.. إذا لزم الأمر.. فالإخوان لم يلتزموا طوال تاريخهم بكلمة أو وعد أو سددوا الكمبيالات التى كتبوها على أنفسهم.. وهم مثل الطقس فى الخريف.. يعبر عن كل فصول السنة فى ساعة واحدة.

وقد سعى الإخوان من جانبهم إلى طمأنة الإدارة الأمريكية.. خاصة فيما يتعلق بعدم المساس بمعاهدة الصلح مع إسرائيل.. وبعدم التمييز بين المسلمين والمسيحيين.. وحدث ذلك خلال اجتماعات حدثت منذ فترة وجيزة.. وكان كل همهم تحييد الولايات المتحدة التى تربط المعونة العسكرية بحماية الأقباط وعدم وصول جماعات متطرفة للحكم ونجاح الجيش فى الانتقال من دولة ديكتاتورية إلى دولة ديمقراطية.. مدنية.. ويقصد بها دولة غير دينية.. وغير عسكرية.

وفى الوقت نفسه يخشى الجيش أن يكون حصول التيارات الإسلامية على أغلبية سببا مباشرا فى حرمانه من المعونة العسكرية.. فمن جانب لا أحد يضمن انتقال هذه التيارات من الاعتدال إلى التطرف.. فهذا أمر يحدث بسهولة.. ومن جانب آخر.. لا أحد يثق فى حسابات الولايات المتحدة.. فربما تعاملت مع هذه التيارات كما تعاملت من قبل مع حماس.. فقد اعترفت بنزاهة الانتخابات التى أوصلتها إلى السلطة.. لكنها قررت فى الوقت نفسه عدم التعامل معها.. خاصة أن الديمقراطية كانت بالنسبة لها مجرد سيارة تاكسى ما إن أوصلتها إلى الحكم حتى أحرقتها.. وبقيت فى مكانها رافضة إجراء انتخابات جديدة.. تعرف على ما يبدو أنها لن تحصل فيها على الأغلبية.. وهذا بالتأكيد نفس السيناريو المتوقع حدوثه فى مصر.

ولو كان برلمان 2005 قد سيطرت عليه أغلبية من الحزب الوطنى وأقلية من الإخوان فإن المراقبين يتوقعون العكس.. أغلبية من الإخوان وحلفائهم.. بجانب كتلة كثيفة من بقايا الحزب الوطنى.. وشخصيات متناثرة هنا وهناك.. تعبر عن التيارات الأخرى.

وفى الخفاء بدأت قوى متنوعة تطرح سؤالا ربما خطر على بال المجلس العسكرى أيضا وهو: «لو خيرنا بين شر الإخوان وشر الحزب الوطنى فمن نختار؟».. وهو نوع من الاختيار بين سرطان فى الكلى أو سرطان فى البنكرياس.. بين قوى دمرت الدولة وقوى دمرت المجتمع.

ولو وصلت أغلبية دينية إلى مجلس الشعب فإنها لن تشكل الحكومة.. فالحكومة سيشكلها حسب الدستور القائم المجلس الأعلى للقوات المسلحة.. وهو ما يعنى أن السلطة التشريعية ستكون فى جانب والسلطة التنفيذية فى جانب آخر.. ولو جاء رئيس من غير الإخوان ــ وهو متوقع بنسبة كبيرة ــ فإن الحرب بين الأطراف الثلاثة ستتسع وتتضاعف وتزداد تشابكا وتعقيدا.. مما يؤكد بما يشبه اليقين أن لا استقرار بأى صورة سنعيشه بعد الانتخابات.. بل ربما سيكون الاضطراب أقوى وأشد وأخطر.. وساعتها ستجد قوى التحرير التى خرجت من المولد بلا حمص نفسها مجبرة على تجدد نشاطها.. ولن يكون أمامها سوى محاصرة مقرى البرلمان والحكومة لتطالب بإسقاطهما معا.. فيما يتردد عن ضرورة القيام بـ«الثورة الثانية».

ولو لم تكتمل الانتخابات.. وشاعت الفوضى فإن الجيش لن يعود إلى ثكناته.. بل سيستمر فى مكانه.. يحكم.. فيما يشبه ما حدث فى مصر عام 1954.. بعد سنتين من فشل المدنيين فى الاتفاق على قواعد وأصول تسلم السلطة من العسكريين.. لكن.. أعضاء المجلس العسكرى ليسوا مثل الضباط الأحرار.. كما أن جمال عبدالناصر نجح بعد أسابيع معدودة من ثورة يوليو 1952 فى أن يأخذ الشعب فى صفه بقانون الإصلاح الزراعى وتحديد الملكية.. وهو ما لم يفكر فيه المشير حسين طنطاوى المعروف بميوله الناصرية.. وإن بقيت فى خانة «الميول» دون أن تنتقل إلى خانة «الإنجاز».. فلماذا يتحمس السواد الأعظم لبقائه على رأس الدولة؟.. هل بسبب مخاوف عدم الأمن؟.. ربما.. لكن.. ذلك لا يكفى كى يصبح الجيش طرفا فى اللعبة السياسية.. يكفى فقط كى يصبح منافسا للداخلية.

وأغلب الظن أن العسكريين يراهنون فى تمسك الناس بهم على حالة الفوضى المتزايدة يوما بعد يوم.. لكن.. فى المقابل لم يثبت العسكريون أنهم قادرون حتى على استتباب الأمن.

والسؤال الآن: أليس هناك طريق ثالث للاختيار بين العسكريين والإسلاميين؟.. أليس هناك ولو شعاع ضوء خافت فى نهاية النفق؟.. الإجابة هنا تتوقف على التكتلات المدنية والصوفية والقبطية والليبرالية واليسارية وهى فى الحقيقة ضعيفة.. ومتفرقة.. وضائعة.