د. هبة قطب : شهر رمضان وتأثيره على الحالة الجسمانية!!

الفجر الطبي


ها هو قد هل علينا من جديد، إنها حقاً لهلة مستحبة، إن لها حلاوة خاصة، ولِطلّته مكانة محببة لكل النفوس، وأنا أعتقد بشدة أن السر في هذا لم يخرج عن حكمة قد حجبها الله عن عباده، وطالما ذكرتني تلك الهلّة الرمضانية ذات البعد الروحاني بهلتنا على المدينة المنورة حال أداء مناسك العمرة، عند التوجّه لزيارة مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهناك انبعاث روحاني ذو طبيعة شديدة الخصوصية يغمر الوجدان بالراحة والاسترخاء الحسي، مع الشعور بالأمان العميق، وهذا هو الإحساس الذي لا يضاهيه إحساس آخر، وهو الشعور بالدخول إلى كنف الرحمن وملكوته.

فرمضان هو شهر الله، وما يفعل فيه من قول أو عمل أو صيام أو قيام لا يُرَاد به إلا وجه الله تعالى طمعاً في الأجر والمغفرة يوم المشهد العظيم...

أحبائي الكرام... لا أحد ينكر أنه يحب شهر رمضان ويفرح لمجيئه، ولكن لماذا نفرح بقدومه؟! هل فكّر أحدنا في إجابة هذا السؤال من قبل؟! هل نفرح للمظاهر الموجودة حولنا في الشوارع من زينات وأنوار؟! هل نفرح لأن العائلات لا تجتمع على الموائد إلا فيه؟! هل نفرح لأن الطعام فيه يكون على كل شكل ونوع؟! هل نفرح لوجود الخيمات الرمضانية واجتماع الأصدقاء فيها؟!

جدير بالذكر هنا أن أشير إلى أنه لا مانع إطلاقاً من الفرح لأجل هذا كله، ولكن يجب أن يكون الأصل في كل فرحة، أن تكون خالصة النية لوجه الله تعالى، فالفرح للمظاهر والزينات يجب أن يكون قلبيا، ويكون الفرح بقدوم شهر القرآن، أما الفرحة باجتماع الأهل فتكون طمعاً في أجر صِلة الرحم، واجتماع الأصدقاء يجب أن يكون لمرضاة الله ولذكره وليس فقط للهو وتمضية هذا الوقت الثمين الذي يأتي ويمضي ولا يعوض.

عودة إلى موضوعنا اليوم، فهو يختص بالطعام في رمضان وتأثيره على الوظائف الجنسية البشرية، إن أكثر ما يُرتكب خطأ يا أصدقائي في رمضان هو العادات السيئة للطعام، والإسراف الشديد في كل أنواع الأطعمة، سواء من ناحية الكم أو الكيف، فدائماً ما يفوق كمّ الطعام المقدار المطلوب، ودائماً أيضاً ما تكون نوعية الطعام خارج النطاق الصحي الذي يفرز حالة جسمانية سليمة، وبدناً قادراً على العمل والإنتاج والقيام بالعبادات والصلوات على القدر الذي يرضي الله عنا.

وهنا أريد أن أشير إلى آية قرآنية بليغة تعطينا نحن البشر الطريقة المثلى لاستخدام الطعام: قال الله تعالى في محكم آياته:

{يا بني آدم خذوا زينتكم عندَ كلِ مسجدٍ وكلوا واشربوا ولا تسرفوا، إنّه لا يُحب المسرفين}. سورة الأعراف( 31)

وإذا حاولنا التفكير في كلمات هذه الآية الكريمة فسنجد نقاطا كثيرة شديدة الأهمية يجب أن نتوقّف عندها:

1- المخاطَب هنا ليس فئة معينة من البشر، كفئة المؤمنين مثلاً، ولكن سبحانه وتعالى يخاطب جميع بني البشر.

2- أسلوب المخاطبة هنا هو فعل الأمر، أي أن المسألة غير متروكة للإنسان لإبداء الرأي فيها، ولكنه أمر واجب الاتباع، وأحب ألاّ أترك هذه النقطة حتى أشير إلى أن شهر رمضان هو شهر الطاعة عند كل المسلمين، وخاصة المؤمنين منهم، أي أن هناك إقبالا على الطاعات في رمضان أكثر من سواه، وهناك دفعة نفسية قوية تحث الناس على تنفيذ أوامر الله، والتصدي لأهواء النفس، وبالتالي فمن باب أولى كان يجب أن نتفكّر في هذه الآية ومغزاها وتنفيذ ما جاء فيها من أمر رباني مباشر في رمضان أكثر مما سواه، ولكن مع الأسف فما يحدث هو العكس تماماً على طول الخط!!!

3- الإشارة في آخر الآية أن من يقوم بعكس هذا الأمر ويسرف في الطعام والشراب، إنما يعرض نفسه لعدم محبة الله، فالله قد خلقنا أمة وسطاً في كل شيء، وهو لا يحب أن يسرف الإنسان في أي شيء وخاصة في الطعام والشراب، حيث إن ذلك يؤثر تأثيراً مباشراً على صحة الإنسان، ومن ثم على قدرته على العمل أياً كان هذا العمل، وأيضاً على العبادة، فلا بد من شحن الهمم العبادية في رمضان، مثل كثرة الصلاة وكثرة القيام وقراءة القرآن، وعلى الجانب المتوازي فلا بد أيضاً من عدم تأثر عمل العاملين أو دراسة الدارسين من جراء الصيام، بل على العكس، يجب أن نكون كمسلمين صائمين أحسن دعاية لديننا باتباع أوامر الله والانتهاء عن نواهيه.

وكذلك بالتأسّي بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وسائر المسلمين التابعين الذين جاهدوا في سبيل الله وهم صائمون، في قلب الصحراء وتحت الشمس المحرقة، ولم يتحججوا بكونهم صائمين لهجر الجهاد أو التكاسل عن العمل، فاستحقوا بذلك مرضاة الله والمكانة التي وعدهم إياها..

قرائي الأحباء.. إن الصيام ليس عقاباً لنا، ولكن على العكس هو خدمة لنا، وقد أجري بحث مقارن في كلية طب القاهرة منذ عدة سنوات انطلاقاً من الحديث الشريف صوموا تصحوا ، وبدأت دراسة الصيام كعملية فسيولوجية بحتة وتأثيرها على الأنسجة والأعضاء المختلفة للجسم، فوجد أن كمية الأوكسجين وخاصة جزيئاته الحرة -وهو وقود عمل الخلية- زادت كثيراً حال عدم دخول الطعام إلى الجسم، وبالتالي زاد النشاط العام للجسم..

ولوحظ على وجه الخصوص الزيادة في النشاط الجنسي في الناس، الذين أجري عليهم البحث، والذين اتبعوا أنظمة غذائية معتدلة بعد الإفطار، وتحديداً تأسياً بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان يبدأ إفطاره بالتمر والحليب؛ فيعوض الجسم بالجلوكوز والطاقة التي فقدها.

ثم يقوم إلى الصلاة خفيفاً وغير مثقل البدن، ثم يعود فيأكل الطيب من الطعام مثل الخضر والفاكهة الطازجة، وبقية العناصر الغذائية جميعها وبلا حرمان من شيء، ولكن بكميات محدودة ومناسبة، ثم يبتغي من أجل الله له من إتيان لزوجته بعد حوالي الساعتين من الطعام -وهو الوقت اللازم لفراغ المعدة من الطعام- فيكون القيام بالعلاقة ناجحاً وممتعاً ومرضياً للطرفين، حيث الأنسجة في أحسن حال، وضخ الدماء المحملة بالأوكسجين في الأوعية الدموية للأعضاء الجنسية على خير وجه، والشوارد الحرة Free radicals التي من شأنها أن تقبض على ذرّات الأوكسجين غير موجودة، وهي تكون عادة في الدهون المشبعة مثل الأغذية المحمرة والمسبكة، وهي من الموجودات شبه المستديمة على سفرة رمضان، فلا يتأتى للأوكسجين أن يحمل على حوامله الطبيعية من ناحية، ويتركز الكوليسترول في جدران الأوعية الدموية، فتقل بالتالي كميات الدماء المتدفقة من ناحية أخرى، فما بال ما يحدث في غير رمضان من وجود مستمر لهذه المركبات في الدورة الدموية!!!

قرائي الأحباء.. إنما نصوم جميعاً ابتغاء مرضاة الله، ونحن نسعى لأن تكون مرضاة عظيمة وعفوا ومغفرة وعتقا من النار، فإذا أخذنا في حسباننا أن الله ما كان ليأمرنا بشيء إلا لخيرنا، وما كان لينهانا عن شيء إلا لشر قد يصيبنا منه، فليست لنا حجة إذن في البعد عن الإسراف في الطعام كيفاً أو كمّاً.