التمويل المشبوه للفضائيات الجديدة...تلوين للشاشة

أخبار مصر


موجات هائلة ومتتالية من علامات الاستفهام تُثار في أذهاننا جميعًا فور إمساكنا بجهاز التحكم (الريموت كنترول) والبدء في الاختيار بين مئات القنوات الفضائية، وخاصة الفضائيات حديثة العهد منها، فبعد ثورة 25 يناير وخلال الشهور القليلة الماضية امتلأ الفضاء بعشرات القنوات الفضائية المصرية، لا نعلم عن تأسيسها ومؤسسيها ومصادر تمويلها أو أهدافها شيئًا.

وتزامن خروج تلك القنوات إلى النور وتلك التساؤلات وعلامات الاستفهام، مع التصريحات التي أثارت الدهشة للسفيرة الأمريكية في مصر (آن باترسون)، قائلةً أمام الكونجرس: إن بلادها ضخت ‮40‬مليون دولار دعمًا لمنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام في مصر منذ ثورة يناير.

من أكثر الفضائيات الحديثة شهرة وغموضًا في مصادر تمويلها قناة التحرير ، وأبرز مقدميها إبراهيم عيسى، ومحمود سعد، وبلال فضل، وعمرو الليثي، وبعض الأخبار الغير مؤكدة بالطبع بسبب حالة الغموض المحيطة بها تردد وصول أجور هؤلاء إلى ملايين الجنيهات، أما القناة صاحبة الحجم الضخم من الإعلانات التي ملأت الشوارع لفترات طويلة النهار تقول بعض التقديرات إن حملة الدعاية التي سبقت بث القناة تجاوزت 40 مليون جنيه؛ ما يشير إلى أضعاف ذلك المبلغ لتشغيل القناة، ويرأس مجلس إدارتها وليد مصطفى، ويديرها ويشارك فيها سمير يوسف- زوج مقدمة برنامج التوك شو الشهيرة منى الشاذلي- وكان يعمل منتجًا فنيًا لقناة نايل سبورت الذي أشار عدد من الأقلام إلى وجود صلة قرابة بينه وبين المجرم الهارب ممدوح إسماعيل صاحب العبارة السلام 98 ، ويقول هؤلاء إنه ابن شقيقة ممدوح إسماعيل.

محمد أمين رجب المشار إليه بمالك قناة cbc لا يعرف عنه سوى أنه مهندس إنشاءات، عمل طوال عمره خارج البلد والآن عاد إلى مصر، وأكد أنه الممول الوحيد للقناة بمشاركة أحد أقاربه، نافيًا أي علاقة لمنصور عامر رجل الأعمال الشهير وأحد أبرز ممولي الحزب الوطني المنحل وصديق حميم لأحمد عز وأحمد فتحي سرور، موضحًا أنه شريك له في العديد من المشروعات الأخرى لكنه بعيد عن هذه القناة.

قنوات أخرى كقناة 25 يناير التي تعد أول قناة فضائية تنطلق بعد الثورة، ويملكها الإعلامي محمد جوهر الذي ارتبط اسمه دائمًا بالرؤساء في مصر نظرًا لتسجيله لقاءاتهم وخطاباتهم من خلال الشركة التي يمتلكها، إلى جانب قناة ( مودرن حرية ، و روتانا مصرية ، و المصراوية ، و مصر الحرة ، و المصري ، و الصعيدي )، والعشرات من قنوات المنوعات، مثل قناة رمضان التي يطلقها رجل الأعمال نجيب ساويرس خلال شهر رمضان المقبل.

المعروف للجميع أن القنوات الفضائية تحتاج مبالغ طائلة وميزانيات ضخمة لما تتطلبه من تقنيات عالية، وإنتاج برامج لتعينها على الانطلاق والاستمرار، كما يؤكد الخبراء أن كل القنوات الفضائية المصرية تخسر باستمرار ولا تحقق أي أرباح تؤهلها لتكون مشاريع اقتصادية ناجحة.

بدايةً.. يقول الإعلامي سيد الغضبان إن مصادر تمويل القنوت الفضائية التي خرجت مؤخرًا في مصر غير معروفة وغير مفهومة مطلقًا، فمعظمها لا يمتلك حصص إعلانية مسبقة مثلاً لتكون أحد مصادر تمويله، كما أنه من المستبعد أن يكون من أهدافها أهدافًا خيرية لمصلحة الوطن، مبينًا أن القنوات الفضائية تحتاج إلى تمويل ضخم، وجميعها خرجت مؤخرًا في شكل غامض انعدمت فيه الشفافية.

ويضيف: القنوات الخاصة في مصر ليس معروفًا مَن يقف خلفها، وتجدد السؤال مع الفضائيات التي ظهرت بعد الثورة، حول من يدعم استمرار تلك القنوات، ومع أننا نعلم ما يوفره رجال الأعمال كافةً من ميزانيات للجوانب الإعلامية إلا أن إطلاق قناة خاصة يحتاج إلى ميزانيات ضخمة، ولن يتم استخدمها بدون الرغبة في الوصول إلى أهداف قوية وهامة.

ويطالب بإنشاء جهاز لمعرفة مصادر التمويل بكلِّ وضوح، بجانب إصدار تشريعات تحمي المشاهد، بفصل الملكية المادية عن السياسة التحريرية لوسائل الإعلام، لكي لا يتحكم المالك بالمضمون كما يشاء، من خلال نقابات مهنية قوية للتحكم في مثل تلك المشكلات.

ويرى الكاتب والصحفي عبد الله السناوي، أنه من الطبيعي حدوث هذه الفورة بظهور كم هائل من القنوات الفضائية المصرية والصحف، بعد ثورة 25 يناير التي جاءت لتنادي بالحرية، والحرية الإعلامية، وتحطيم القيود المتعسفة التي كانت توضع أمام وسائل الإعلام، مشيرًا إلى أن القارئ سيصبح الحكم في المرحلة المقبلة، على مستوى الخدمة المقدمة له، وبالتالي لن تستمر كل الوسائل الإعلامية التي تظهر في هذه المرحلة.

ويؤكد أن ما هو غير طبيعي في هذه الفورة الإعلامية رأس المال الأجنبي الذي تمَّ ضخه لوسائل الإعلام في مصر، لأسباب سياسية فقط وليست اقتصادية أو غيرها، موضحًا أن رأس المال السياسي يستهدف في هذه الفترة التداخل مع جدول أولويات البلد في المرحلة الانتقالية كالتي نمر بها.

وحول أهداف التمويل الأجنبي لوسائل الإعلام المصري يقول: انتهجت قوى دولية وإقليمية هذا النهج كمحاولة لوضع سقف للدور المصري إقليميًّا خلال الفترة المقبلة، خاصةً فيما يتعلق بموقف مصر من عدد من القضايا كالاحتلال الأمريكي، والتطبيع مع الصهاينة، ومحاولة المشاركة في رسم الخرائط الجديدة للمنطقة العربية.

ويتابع حديثه مؤكدًا أن الجميع الآن مع حرية الإعلام ومع تشجيعها، لكن ليس على حساب المواطن المصري وحقوقه، قائلاً: لا بد من وضع قواعد لاستخدام المال السياسي، وخاصةً مع تأكدنا من ضخ أموال ضخمة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وكذلك من بعض القوى الخليجية، على أن تكون القواعد هي الشفافية لكي تعبر المنابر الإعلامية عن الواقع المصري فعلاً، محققًا للثورة المصرية ضد الفساد والاستبداد.

ومن جانبه، يرحب الدكتور سليمان صالح أستاذ الصحافة والإعلام الدولي بكلية الإعلام جامعة القاهرة، بالتعددية في وسائل الإعلام؛ لأنها تعتبر ركنًا أساسيًّا من أركان الحرية الإعلامية؛ حيث يفتح التنوع مجالاً واسعًا أمام المناقشات الحرة لكلِّ القضايا المجتمعية.

ويشترط إعلان كل وسيلة إعلامية عن مصادر تمويلها بوضوح كامل، وإذا ثبت تلقيها أموالاً من جهات أجنبية خاصة الولايات المتحدة أو الكيان الصهيوني يُحاسَب المسئولون عنها، مؤكدًا أنه لا يوجد سبيل بعد التأكد من مصادر التمويل الأجنبية سوى إغلاق تلك الوسيلة بشكلٍ نهائي؛ لأننا لا نحتاج إلى وسائل إعلام أجنبية تتحدث بالعربية لا تهدف سوى لإثارة الفتن، وإعاقة الوصول إلى الحكم الديمقراطي في مصر.

ويشير إلى أن هذا النوع من الوسائل ظهر فعلاً على الساحة الإعلامية في مصر مؤخرًا، فالتدخل الأمريكي وضح من خلال مضامين الأخبار التي بثتها بعض القنوات لزعزعة الأمن المصري، وإثارة الفرقة والمصادمات بين الاتجاهات والقوى السياسية المختلفة، كما تشيع الفتن بين المسلمين والمسيحيين، وفي النهاية يتضح أنها لا ترقى إلى مستوى الأخبار بل مجرد شائعات لا صحةَ لها.

ويتابع: كما تتميز تلك القنوات الإعلامية بالتحيز دائمًا ضد التيار الإسلامي ومشاركته في الحياة السياسية، خاصةً الهجوم وتشويه صورة جماعة الإخوان المسلمين، فأمريكا تدير معركتها الإعلامية ضد الإسلاميين من خلال دعم الفضائيات.

ويؤكد أن ضبط ومنع التمويل الأجنبي من التدخل في الإعلام المصري يحتاج إلى عدد من الخطوات، منها: الاتفاق على ميثاق أخلاقي بين القائمين على تلك الوسائل بإعلان مصادر تمويلها؛ لأن مصر تحتاج إلى آلاف القنوات الفضائية الوطنية، كما يتطلب من إدارة النايل سات عدم التصريح ببث أي قناة قبل التأكد من خلو مصدر تمويلها من أي شبهات خارجية وأجنبية.

ويعلق محسن راضي القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، على تمويل الفضائيات من الخارج قائلا: التمويل لا بد أن ينبع من ضمير المساهمين في المؤسسة الإعلامية، وإيمانهم برسالة تحقق مصلحة عامة للشعب المصري، وإعلاء المصالح العليا للوطن .

ويؤكد أن سياسات القناة لا بد لها وأن تبتعد عن التوجيه المباشر لمواقف بعينها، بشرط ألا يكون الابتعاد عن التوجيه مرادفًا للاستخفاف بالعقول في محاولة للتضليل باستخدام وسائل سطحية وغير موضوعية في برامج القنوات، ظنًا أنها ستحقق نسبًا أعلى في المشاهدة من المضامين الجادة.

ويطالب بوضع سياسات حاكمة من قبل الحكومة المصرية تمكن الجميع من الاطمئنان على سلامة تمويل المنابر الإعلامية باعتبارها أحد أهم ما يتعرض له الرأي العام في أي دولة؛ حتى نستطيع أن نتجنب الأموال المشبوهة، التي تمثل أجندات خارجية لتحطيم الرؤية المصرية، والعودة بها إلى الوراء في عصر التبعية السياسية


المصدر:كلمتى