ويكليكس :مبارك والعادلي قاما بتسليم الرقم القومي وقاعدة البصمات والتسجيل الجنائي للمصريين للمباحث الفيدرالية!!
الرئيس المخلوع حسني مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي قاما بتسليم المباحث الفيدرالية جميع بيانات المصريين التي يتضمنها أرشيف الرقم القومي وقاعدة البصمات والتسجيل الجنائي .
هذا ما كشفته مستندات تحمل شعار «سري للغاية» تم تسريبها من المباحث الفيدرالية الأمريكية مؤخرا لتوثق ما جاء في ملفات ويكيليكس لتؤكد وجود تعاون خطير قام به وزير الداخلية الاسبق حبيب العادلي بموافقة الرئيس المخلوع حسني مبارك عندما سلم سرا في إبريل عام 2009 أرشيف الرقم القومي وقاعدة بيانات البصمات والتسجيل الجنائي المصري للمباحث الفيدرالية بعد أن رفض السيد عمر سليمان مدير المخابرات العامة المصرية الاسبق ومن ورائه اللواء حسن عبد الرحمن رئيس مباحث أمن الدولة المنحل تسليمه لأمريكا علي مدي أعوام خدمتيهما .
الواقعة تمثل كارثة حقيقية تكاد تصل حد «العمالة» حيث نجد لها تعريفا في قاموس علم المخابرات الذي يتضمن الوصف السادس للعميل بأنه «يعمل في النظام الحكومي أو في منظومة أمنية للدولة التي يتجسس عليها أو يعمل ضد مصالحها ولا يمكن الشك في مصداقيته أو وطنيته من شعبه ».
المستندات السرية تثبت أن أجهزة المخابرات الأمريكية بأنواعها ومن ورائها أجهزة مخابرات عديدة بالعالم كانت دائما تسعي للحصول علي ذلك الأرشيف وأنها لا تزال تري أن قاعدة بيانات الأرشيف المصري الأمني تعد من أغلي وأكثر أرشيفات العالم نظاما وغزارة في المعلومات بغض النظر عن تلك الأساليب التي جمع بواسطتها، وأن صول ذلك الأرشيف للأجهزة الأمريكية كان يعد تطورا نوعيا وخطيرا فيما أطلقوا عليه الحرب علي الإرهاب لكن الأخطر هو حقيقة التعامل والتعاون الذي انغمس فيه المخلوع ووزير داخليته مع أجهزة مخابرات العالم المختلفة علي حساب الأمن القومي المصري .
الزمان كان في 13 إبريل 2009 الساعة السابعة مساء عندما وقف أمام بوابة وزارة الداخلية عدد كبير من لواءات الوزارة بملابسهم الرسمية وثلاث عربات كل ما بها أسود تحمل لوحات تتبع السفارة الأمريكية بالقاهرة تشق طريقها في هدوء كامل عابرة شارع الشيخ ريحان بوسط القاهرة متجهة لمبني مقر وزارة الداخلية وما تكاد تصل لتقاطع شارعي الشيخ ريحان ومنصور حتي تسد الطرقات من جميع المنافذ وتجد بوابات الوزارة مفتوحة علي مصارعيها وما أن تدخل حتي تغلق البوابات ويبدأ من بداخلها الهبوط منها تفتح الأبواب الثلاثة للعربة الأولي أولا ويهبط رجل يتنسم الهواء الجميل الذي حملته الرياح في مدينة القاهرة عشية ذلك اليوم المعتدل، ذلك الرجل هو روبرت مويلر مدير المباحث الفيدرالية الأمريكية الشهير والذي يشغل المنصب منذ4 سبتمبر 2001، ومن الباب الثاني تهبط سيدة يعرفها الجميع وهي السيدة مارجريت سكوبي سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية بالقاهرة بداية من 23 يناير 2008، وعلي السجادة الحمراء المفروشة أمام مدخل البوابة المؤدية لمكتب وزير الداخلية حبيب العادلي يتخلي الحرس الأمريكي عن قيادة الطريق ليصطحب ضباط العلاقات العامة المصريون الزوار مباشرة لمكتب «العادلي ».
في الخلفية يتضح لنا بعض الحقائق فقد طلب الوفد الأمريكي بناء علي رغبة مدير المباحث الفيدرالية «الأمريكية» مويلر لقاء «العادلي» ومدير مباحث أمن الدولة المنحل اللواء حسن عبد الرحمن كل علي حدة وفي عدم حضور الطرف الآخر ، أما الخلفية السياسية فهي توتر شديد في العلاقات بين البلدين بسبب الرفض الأمريكي القاطع لسياسة التعذيب المتبعة في مصر بشكل منهجي، ويحمل «مويلر» في يده ملفا سميكا وثقت فيه الإدارة الأمريكية العديد من عمليات التعذيب .
وقبل زيارتهما لوزارة الداخلية قابلا وزير الخارجية أحمد أبوالغيط حيث نفي حدوث التعذيب في مصر فأخرج له مدير المباحث الفيدرالية الأمريكية «مويلر» وثائق مصرية حكومية تفيد- طبقا للمستندات السرية الأمريكية الجديدة- بأن وزارة الداخلية ونظام مبارك قد توقفا في عام 2004 عن نفي حقيقة وجود تعذيب في مصر وأن هناك نسخة من اتفاقية أمنية وقعت بين مصر وأمريكا وموقع عليها حبيب العادلي تشترط عقد لقاءاً سنوي دوري بين المباحث الفيدرالية الأمريكية وأمن الدولة في مصر لبحث الملفات الحساسة بين البلدين، وأن الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد حصلت علي اعتراف من مبارك نفسه بوجود التعذيب، لكنه أعلن لهم أنه في أضيق الحدود وضد العلميات الإرهابية فقط .
الوفد الأمريكي اطلع أبوالغيط علي معلومات أخري حيث قدموا له توثيقا لتقديم 18 ضابطا مصريا للمحاكمات الجنائية في الفترة من 2004 حتي 2007 بتهم التعذيب وأن منهم من صدرت ضده أحكام نافذة بالسجن لمدد تراوحت بين عام وخمسة عشر عاما، بل إنهم طلبوا من «أبوالغيط» الذي بدا كأنه أول مرة يري تلك المعلومات تفسيرا علي عدم تنفيذ النظام المصري لاتفاقية سياسية سرية وقعت بين الإدارة الأمريكية وحسني مبارك علي وقف العمل بقانون الطوارئ في مجلس الشعب بموعد نهائي في 2008، وأن مبارك أعلن لأمريكا قبل أن يوقع لهم أن أعضاء المجلس الـ454 سيوافقون علي وقف قانون الطوارئ عندما يأمرهم بذلك في الموعد المحدد .
« مبارك» طلب مهلة لتوفير قانون جديد لما سمي بقانون الإرهاب وكان محتارا في إيجاد قانون يكون أشد خطورة علي مصر من قانون الطوارئ لكنهم طبقا للمستندات السرية للغاية فاجأوه بملف تحريات أمريكي أمني منفصل يفيد بوجود معلومات غريبة حول تورط «العادلي» في أحداث الإرهاب أو أنه هو من ضغط بسياساته القمعية وأدي لتلك الأحداث وأوراقهم جاء فيها: في 2005 عملية تفجير ثلاثية في شرم الشيخ توقع 88 قتيلا و200 جريح ومصر كلها يغلق الأمن قبضته عليها- في 2006 عملية إرهابية وتفجير ثلاثي في مدينة دهب السياحية بجنوب سيناء توقع 24 قتيلاذ وفي فبراير تفجير إرهابي في خان الخليلي يوقع قتيلا شابا فرنسيا ، ويطرح الوفد الأمريكي التحريات علي مبارك فلا يكون منه إلا أن يطلب منهم لقاء «العادلي» و«عبد الرحمن» ويعلن موافقته علي أي طلب يطلبونه منه حتي يغلقوا ذلك الموضوع فتكون الفرصة بالنسبة لهم .
من هنا وجد الوفد الأمريكي الطريق ممهداً تماما لتحقيق مطلب أمريكي مهم بالنسبة لأجهزة المخابرات الأمريكية وهو نسخة من أرشيف الرقم القومي المصري ونسخة من قاعدة بيانات السجل الجنائي والمدني للمصريين بدعوي أن أمريكا تحتاج تلك البيانات لتكون تحت أيديها لدي التحقيق في أي قضايا تتعلق بالإرهاب كي تكون تحقيقاتهم سريعة وعلي أساس معلومات غزيرة كتلك الموجودة في قواعد بيانات أمن الدولة المصري حتي أنهم أشاروا يومها إلي أن ذلك الأرشيف لم يوثق فقط للمصريين بل وثق لمواطني دول الاتحاد الروسي وباكستان وأفغانستان وبه نسبة كبيرة لمواطنين من دول عربية أخري، ومن هنا كانت أهمية المطالبة بالحصول علي نسخة منه .
في لقائهم بمبارك هددوه ضمنيا بأنهم سينشرون بالعالم التحقيقات حول العمليات الإرهابية ومعلوماتهم عنها خاصة أن تلك العمليات قد راح ضحيتها أجانب يمكن أن يقلبوا الدنيا علي النظام المصري لو وصلوا لمجرد الشك، وأن «العادلي» كان يلعب في الخفاء .
الغريب أن المستند يثبت وجود معلومات عجيبة عن حقيقة انفصال ولو جزئي في سياسة عمل حسن عبد الرحمن وحبيب العادلي فبينما نري أن العادلي، يعمل مزدوجا دائما مع مبارك الذي يحركه نجد حسن عبدالرحمن وقد بدا متماسكا أمام الطلب الأمريكي، ونتأكد من المستندات أنه رفض تسليمهم الأرشيف الأمني المصري علي مدي طيلة أعوام خدمته بل نجد في ذات المستندات أنهم تقابلوا أيضا مع عمر سليمان مدير المخابرات العامة المصرية وقد أعلن عن رفض المخابرات الصريح للطلب الأمريكي لكنه طلب منهم مناقشة مبارك والعادلي حيث إن القرار هو في النهائية قرار سيادي للرئيس والتنفيذ منفردا للعادلي الذي يقع تحت تصرفه الأرشيف المصري .
المستندات تؤكد أن مبارك طلب «العادلي» وشرح له في لقاء خاص بينهما خطورة الملف الذي وثقوه وأنه لا مانع من تسليم الأرشيف طالما أنهم لن يقدموه لدولة أخري وسيستخدم في خدمة العالم ضد الإرهاب، ووافق العادلي علي الفور لكنه طلب من مبارك إشراك عبد الرحمن في الموضوع، حيث يقع الأرشيف أيضا في حيازته، لكن «مبارك» طبقا للمستندات أخطر العادلي بأن عبد الرحمن وسليمان يتعاملان بوطنية زائدة عن اللزوم علي حد وصف مبارك للموضوع الذي جاء سرده في المستندات، وطلب من العادلي عمل اللازم بعيدا عن عبدالرحمن .
مستند آخر يثبت أن مدير المباحث الفيدرالية الأمريكية روبرت مويلر في زيارته للقاهرة في الفترة من 8 إلي 9 فبراير 2006، تقابل في حضور فرانسيس ريتشارد دوني السفير الأمريكي الأسبق بالقاهرة مع مبارك و العادلي وعبد الرحمن وسليمان طلب منهم توسيع حجم الاتفاقية الأمنية بين مباحث أمن الدولة والمباحث الفيدرالية الأمريكية وعرض عليهم تبادل الأرشيف الأمني الجنائي والمدني العراقي بالمصري غير أنهم لم يبدوا اهتماما يومها ووافقوا علي توسيع التعاون فيما يخص توفير الولايات المتحدة الأمريكية لمنح تدريبية أكبر لأعضاء الجهاز حيث نجد أن معظمهم قد حصلوا علي دورات تدريبية متقدمة في أمريكا وأنهم عمليا ورسميا يحملون أكبر الشهادات المهنية في المجال بل تفوقوا علي ضباط العالم .
بيانات اللقاءات نجد فيها كماً هائلاً من الحديث عن تحدث «مبارك» و«العادلي» دائما عن مدي خطورة الإخوان المسلمين علي مصر بل إننا نفاجأ عندما نري أن الحديث عن الإخوان كان يأخذ فعلا أكثر من ثلثي وقت كل لقاء وأن الأمريكان كانوا يأخذون الحديث حجة علي ضرورة تسليم أمريكا الأرشيف المصري كي تستخدمه أمريكا لمحاربة الإخوان مع «مبارك ».
معلومة أخري نجدها في المستندات حاول عن طريقها مبارك أن يراوغ في 2006 لعدم تسليم الأرشيف فقد اقترح عليهم يومها إرسال عمر سليمان لدمشق كي يطلب من قيادة حماس وقف العمليات الفلسطينية علي إسرائيل وأن مبارك لو نجح في ذلك ستكون تلك هي هديته للنظام الأمريكي ويكون قد قام بما عليه كشريك للولايات المتحدة .
زيارة أخري تمت ونجد بياناتها في ذات المستندات بين الطرفين في 28 نوفمبر 2007، طالبوا فيها أيضا بالحصول علي الأرشيف المصري لأهميته بالنسبة لحربهم علي الإرهاب ولم تخل الجلسة من الحديث عن خطورة الإخوان المسلمين وضرورة أن تساعد الأجهزة الأمريكية نظام مبارك للتغلب عليها .
« العالي» عاد لمكتبه وهو مصمم علي توريط عبدالرحمن فطلبه لمكتبه مرة أخيرة للتشاور حول الموضوع وفي اللقاء يسرد المستند أن عبد الرحمن علي عكس باقي مساعدي العادلي لم يكن يخشاه بل كان يعد داخل بالوزارة أقوي من العادلي نفسه وفي اللقاء رفض عبد الرحمن تسليم الأرشيف المصري وهدده بفضحه وطلب منه أن يعرض عليهم أن تقوم أمن الدولة بنفسها بالكشف عمن يريدون الكشف عنه وأن عبد الرحمن سيعد بعمل الكشف في دقائق وأن النتيجة ستصلهم بعدها بساعات قليلة وذلك حتي يخرج العادلي من الضغط، فطلب منه الأخير الانصراف .
تثبت المستندات أن العادلي قد قرر التصرف منفردا ودبر للوفد الأمريكي ما طلبوه بدون أن يعلم أي مسئول بوزارة الداخلية حتي عبد الرحمن نفسه ظل ليوم خروجه من الوزارة لا يعلم أن الأرشيف قد سلمه العادلي لهم بشرط عدم استغلاله بصورة تضر بمصر .
والمعروف أن هذا الأرشيف يقع داخل شبكة أمنية داخلية لا يمكن الدخول عليها من خارج البلاد أو مثلا كيف ستحصل المباحث الفيدرالية علي التحديثات في ذلك الأرشيف وهي المعلومات اليومية التي تطرأ علي الأرشيفين بالتحديث بالحذف والإضافة؟ أسئلة حائرة لم نجد لها جوابا في المستندات التي اكتفت بالسرد .
المستندات أكدت أن هناك اتفاقا مكتوبا وقع سرا بين العادلي والطرف الأمريكي غير أن أحدا لم يجد نص ذلك الاتفاق حتي الآن سواء في حوزة العادلي أو بين المستندات التي تركها الرئيس المخلوع ليبقي الموضوع مجرد سرد في مستندات سرية للغاية سربت من المباحث الفيدرالية الأمريكية .