عادل حمودة يكتب :الشاطر يطير إلى واشنطن: الحج إلى البيت الأبيض

مقالات الرأي

عادل حمودة يكتب :الشاطر
عادل حمودة يكتب :الشاطر يطير إلى واشنطن: الحج إلى البيت الأ

الإخوان تعهدوا بإلغاء الدعم.. وحرية التجارة .. ورفع مستوى المعيشة خلال 18 شهراً.. تبدأ من يوم تولى الرئيس الجديد السلطة!

طمأنوا الغرب على الأقباط.. ولم يأتوا بسيرة دعم المقاومة الفلسطينية.. واستقبلوا بترحاب جيمى كارتر.. الشاهد الأمريكى على كامب ديفيد!

■ أمريكا ترفض تحالف «الإخوان» و«السلفيين» وتفضل أن تتحالف الجماعة مع «الوفد» و«الكتلة» مع اعتذار نجيب ساويرس عن تهمة ازدراء الإسلام



يستعد خيرت الشاطر، الرجل القوى فى تنظيم الإخوان، للسفر إلى الولايات المتحدة.. وستكون بريطانيا إحدى محطات الرحلة المهمة التى سيستقبل فيها استقبالا رسميا لم يتوقعه أكثر المراقبين خيالا.

أصبحت أبواب واشنطن مفتوحة أمام قيادات الجماعة بعد أن منحها جيمى كارتر الشرعية الأمريكية العلنية لحظة أن التقى مرشدها العام فى القاهرة محمد بديع.. فى مشهد تاريخى لم يستوعبه أحد بسهولة.

فقد الإخوان ذاكرتهم السياسية وهم يبتسمون أمام الكاميرات بجانب الرئيس الأمريكى الذى سبق أن اتهموه بنسف القضية الفلسطينية برعايته لمعاهدة كامب ديفيد.. وتوقيعه عليها بجانب أنور السادات.. ومناحم بيجن.

ولم يفكر جيمى كارتر فى زيارة مبارك.. حليف بلاده الاستراتيجي.. أو يطمئن على صحته تليفونيا.. ولم يكن ذلك مفاجئا لأحد.. فالسياسة الأمريكية تتعامل مع القائم لا مع الراحل.. مع الحاضر لا مع الماضي.. وتعتبر عقدها مع كل حاكم يحمل لقب « سابقا » منتهيا فى اللحظة التى يفقد فيها صلاحيته وسلطته وقوته.

وسمعت هنا فى ألمانيا من سيدة ترتبط بصداقة متينة بالعائلة الحاكمة السابقة فى مصر أن سوزان مبارك اتصلت بها قبل تنحى زوجها بأربعة أيام وهى فى حالة دهشة من تنكر كل الناس لهم قائلة: « يعنى احنا معملناش ولا حاجة كويسة فى حد ولو مجاملة ».. لكنها.. كانت أكثر ألما من موقف الولايات المتحدة تجاه نظام زوجها.. وعبرت عن ذلك فى جملة قصيرة خاطفة: «الأمريكان خانونا ».

ومن المؤكد أن الولايات المتحدة قد مدت أسلاكا سميكة تحت الأرض بينها وبين الإخوان وقت أن كانت علاقتها فيه بنظام مبارك سمنا على عسل.. فهى لم تشف بعد مما يسمونه فى وكالة المخابرات المركزية (الأمريكية) بالعقدة الإيرانية.

لقد فوجئت الوكالة بسقوط رجلها القوى فى طهران.. الشاه محمد رضا بهلوي.. وبدت « مثل كلب كبير صدمته شاحنة ».. فراحت تنبح.. وتصرخ.. وتجري.. وتتخبط.. دون وعي.. فقررت ألا تكرر المأساة.. وأن تكون على صلة مناسبة بكل القوى السياسية مهما تشددت أو تطرفت أو اختلفت معها.. وهو ما انتهت إليه دراسة سرية من مائة صفحة بعنوان «إيران بعد الوفاة».. اقتصر توزيعها على المدير ومعاونيه.. وأعدها باحث يعمل فى خدمتها هو روبرت جرفيس.

كى لا تلدغ الوكالة من نفس الجحر مرتين تقربت من الإخوان.. وسهل عليها المهمة وجود أعضاء منهم فى مجلس الشعب.. فقد أصبح وجودهم فى السفارة الأمريكية له ما يبرره.. فهم نواب عن الأمة.. وبصفتهم البرلمانية لا التنظيمية يجرى التفاهم معهم.

ولعبت قطر دور المحلل بين الإخوان وواشنطن.. وراحت تجمل صورة الجماعة هناك.. وتؤكد أنها طلقت العنف.. وتعلمت الكثير من تجاربها المريرة التى عاشتها منذ أسسها حسن البنا عام 1928.

وسبق أن أخبرت كونداليزا رايس (وزيرة الخارجية السابقة) عمر سليمان بأنهم سيتصلون بالإخوان.. ولم يجد مدير المخابرات المصرية وقتها ما يرد به سوى أن ظهرت علامات الاستياء على ملامحه.. وفيما بعد.. اعتبر محللو معهد كارنيجى استقبال عمر سليمان ــ وهو نائب للرئيس ــ لرموز إخوانية فى مكتبه بعد ثورة 25 يناير أول اعتراف من نظام مبارك بهم.

وعندما زورت انتخابات مجلس الشعب عام 2010.. ولم يفز فيها إخوانى واحد.. عبرت السفيرة الأمريكية فى القاهرة مارجريت سكوبى عن غضبها لشخصيات كانت تدرك جيدا أنها ستوصل رسالتها إلى مبارك.. لكن.. مبارك رد قائلا: إننا لا نزور الانتخابات.. وإنما الشعب الذى يزورها.. والغريب أنه كرر هذه العبارة فى اجتماعه الأول مع وزراء حكومة أحمد شفيق فور حلف اليمين.

وحسب تقرير وضعه مستشار الأمن القومى الأمريكى الأسبق سكو كروفت.. فإن مبارك بدا مصرا على ترويع باراك أوباما من الإخوان.. مكررا نفس السيناريو القديم الذى باعه لمن حكموا البيت الأبيض فيما قبل.. دون أن يأخذ الرجل ـ الذى تجاوز الثمانين ـ فى اعتباره أن الرئيس الأمريكى الجديد موهوب فى تحطيم المسلمات.. فوجوده نفسه فى الرئاسة الأمريكية بجذوره الإفريقية السمراء دليل على أن لا شيء فى السياسة مستقر إلى الأبد.

يضاف إلى ذلك أن أوباما الذى عاش طفولته فى دولة إسلامية متسامحة هى إندونيسيا لم يجد فى الإسلام ما يخيف.

كما اقتنع بأن الإرهاب الإسلامى ضد بلاده سببه مساندتها لنظم ديكتاتورية معادية لشعوب لها الحق فى الحرية والحياة الكريمة.. وأنها ستكف عن كراهية الولايات المتحدة لو تخلصت من الطغاة الفاسدين الذين يحجون إليها.. ويلتمسون البركة منها.

وعكست هذه النظرة المختلفة الرؤية الأمريكية الجديدة.. فراحت أجهزتها تساند وتمول وتدرب شبابا على التظاهرات.. لعب بعضهم دورا مؤثرا فى تفجير ما يسمى بثورات الربيع العربي.. وقد اعتبر الأمريكيون المليارات التى أنفقوها خلال السنوات الخمس الماضية ثمنا متواضعا للنتيجة المذهلة التى تحققت.. وإن ساءهم الهجوم عليهم فيما يعرف بفضائح التمويل الأجنبى التى ساهمت فى كشفها فايزة أبو النجا.. المصنفة لديهم الآن بالعدو رقم واحد.. وهم يصفونها بوزيرة.. «عدم» التعاون الدولي.. وأغلب الظن أنها لن تجد لها مكانا فى الحكومة القادمة لو ساهم الإخوان فى اختيار أعضائها.

ومنذ ثورة 25 يناير والقاهرة مزدحمة بشخصيات غربية مؤثرة.. منهم صحافيون.. وباحثون.. ورجال مخابرات.. فقد تسربت أخبار عن وجود مدير وكالة المخابرات المركزية فى فندق ماريوت الزمالك.. وشوهد مدير المخابرات البريطانية فى فندق فورسيزونز جاردن سيتي.

وفود معلنة وخفية جاءت تدرس وتفهم وتستوعب وتحدد القوى التى ستساندها وتعترف بها.. وبدا واضحا أن الإخوان يتقدمون الصفوف.. وإن كان بروز السلفيين على نحو ما حدث مفاجأة لم تكن متوقعة.. أما الليبراليون فمنقسمون على أنفسهم.. لم يلتحموا بالفقراء.. مثلما فعل غيرهم.. كانت فرصتهم فى الانتخابات أكبر لو وافقوا على إجرائها بعد الثورة مباشرة.

وقد جرت حوارات غربية متنوعة مع القوى المختلفة.. وانتهت إلى نتائج محددة.. منها أن الإخوان يمكن أن ينفذوا ما عجز عنه مبارك.. فقد أبدوا استعدادهم للتخلص من الدعم على السلع الضرورية والوقود وإسكان الفقراء.. وشجعوا ترك سعر الصرف لقواعد العرض والطلب.. وتعهدوا بعدم وضع قيود على حرية التجارة.. والاهتمام بالمشروعات الصغيرة.. وجلب استثمارات مغرية من دول مختلفة على رأسها تركيا وماليزيا التى زارها خيرت الشاطر وتحمس للاستعانة بخبراء منها لتحسين المعيشة خلال سنة ونصف السنة فقط حسب تصورهم.. على أن يبدأ العد التنازلى من أول يوليو.. يوم أن يتولى الرئيس الجديد مهامه وصلاحياته.

ربما كان القلق الوحيد الذى أثار مخاوف الأمريكيين هو مد الجسور مع الصين والتعاون التجارى معها.

ويمكن الجزم بأن الدول الغربية والعربية لن تقدم مساعداتها السخية لمصر إلا بعد أن تنتهى الفترة الانتقالية لتسليم الحكم من العسكريين إلى المدنيين.. ستمنحها للقادم.. لا للقائم.

واللافت للنظر أن الأحزاب الإسلامية بلا استثناء أبدت مرونة غير متوقعة فى القضايا التى كانت تثير فزع الغرب وعلى رأسها قضية الأقباط.. والسياحة.. ورأسمالية النظام الاقتصادي.. وتعهدت بالحفاظ على قناة السويس.. وعدم التهديد بغلقها.. بل أكثر من ذلك لم تقترب من إسرائيل.. أو تمسها.. وتجنبت الحديث عن إعادة النظر فى معاهدة كامب ديفيد.. أو تطوير العلاقات مع إيران.

وفهم الأمريكيون والأوروبيون من الإخوان أنهم لن يتحالفوا مع السلفيين مهما كانت الظروف.. والمغريات.. وفى الوقت نفسه يضغط الأمريكيون والأوروبيون على الأحزاب الليبرالية كى لا تتحالف مع السلفيين.. ويبدو أن الوفد مستعد لقبول التحالف مع الإخوان.. كما أن الإخوان مستعدون لقبول الكتلة حليفا لهم بشرط أن يعتذر نجيب ساويرس عن الإساءة التى نسبت إليه للدين الإسلامي.

وفى الحقيقة فإن القضية التى رفعت ضد نجيب ساويرس واتهم فيها بازدراء الأديان تبدو قضية شكلية دعائية أكثر منها قضية موضوعية.. فهذه القضية تدخل ضمن ما يعرف بقضايا الحسبة التى لا يجوز ــ حسب القانون ــ رفعها إلا من خلال النيابة العامة.. وهو ما لم يحدث فى القضية التى رفعت على نجيب ساويرس.. فقد رفعت بطريق الادعاء المباشر.. ومن ثم فمن المتوقع أن تسقط لعدم استيفاء الإجراء القانونى السليم.

وقد كان الأمريكيون متحمسين بشدة لعودة الجيش إلى ثكناته دون أن يكون له دور فى السياسة.. بل إنهم وضعوا تصورا يرونه مهماً.. أن يتقلص حجم الجيش.. بما يجعل منه مؤسسة دفاعية محدودة القدرة.. ومبررهم فى ذلك أن وجود الإخوان فى الحكم سيحد من تطرف حماس وغيرها من منظمات المقاومة الإسلامية.. وسيقنعها بالتفاوض مع إسرائيل.. إذا كان العرب لا يزالون يتذكرون فلسطين.

لكن.. تيارا قويا فى مجلس الأمن القومى الأمريكى رفض بشدة (أيضا) أن يسلم العسكريين السلطة كاملة للإسلاميين.. وكانت حجته هى الخوف من أسلمة الجيش والمخابرات وأجهزة الأمن.. وهو ما يجعل ما يضاعف من قوة الإخوان ويجعلهم مستمرين فى الحكم.. دون اعتبار يذكر لصناديق الانتخابات التى أتت بهم.. ومن ثم وجد هذا الرأى صدى فى الدوائر الأمريكية المختلفة التى وجدت أن من الأفضل بقاء المؤسسة العسكرية مستقلة وقوية ومؤثرة فى الحياة السياسية ولو بطريقة غير مباشرة.

ومن جانبهم لا يمانع الإخوان فى منح القادة العسكريين حصانة من المحاكمات بسبب الأخطاء التى وقعوا فيها بعد 25 يناير.. وبشرط موافقة أسر الشهداء.. وفى الوقت نفسه يوافق الإخوان على سرية موازنة القوات المسلحة وقصر مناقشتها فى البرلمان على لجنة صغيرة مشكلة من شخصيات يمكن الوثوق فى قدرتها على الكتمان.. يضاف إلى ذلك تشكيل مجلس الدفاع الوطنى الذى سيكون مؤثرا فى قرارات الحرب والسلم.

ومن ثم فإن الولايات المتحدة لن تمنع المعونة العسكرية عن مصر رغم شعورها بأن المشير حسين طنطاوى باتجاهاته الوطنية المتأثرة بالناصرية قائد لا يميل كثيرا إلى الأمريكيين.

لقد عاد الإخوان إلى الأمريكان.. أو عاد الأمريكان إلى الإخوان.. عادا إلى بعضهما البعض بعد سنوات من الجفاء.. استرد الطرفان ما كان بينهما من علاقات متينة فى سنوات الحرب الباردة.. حينما كانت الشيوعية والناصرية والنظم اليسارية والاشتراكية هى العدو الأكبر للسياسة الأمريكية.. وكان الدين سلاحا من أسلحتها القوية.

ولو كنا قد نسينا فليذكرنا التقرير الصحفى الموثق الذى ترجمته مى سمير عن مجلة لوبوان الفرنسية.. فهو يكمل الصورة.. ويصل ما كان بما نحن فيه الآن.