نبذة عن حياة الشيخ جابر الأحمد الصباح " أمير دولة الكويت " الراحل بمناسبة مرور 6 سنوات على وفاته

منوعات


عاطف البرديسى

ولد الأمير جابر الأحمد الصباح سنة 1928، وهو النجل الثالث للشيخ أحمد الجابر الصباح حاكم الكويت الأسبق والحاكم الثالث عشر من أسرة آل الصباح، وثالث أمير لدولة الكويت منذ عهد الاستقلال، تلقى تعليمه في مدرسة المباركية والأحمدية والشرقية بالكويت.

حياته السياسية

عندما توفي عبد الله السالم الصباح عام 1964 لم تنتقل الإمارة إلى فرع أسرة الجابر كما هو معهود، ولكنها ذهبت إلى صباح السالم، أخو عبد الله الذي حكم في الفترة من 1965-1977. ولضمان تعاقب الإمارة في أسرة الجابر عين جابر وليا للعهد للمحافظة على الممارسة التقليدية، وأصبح كذلك رئيسا للوزراء.

بدأ جابر الصباح حياته العملية في يناير/ كانون الثاني 1949 رئيسا للأمن العام في مدينة الأحمدي المشهورة بالنفط في الفترة ما بين 1949 و1950، وتولى رئاسة الدائرة المالية سنة 1959، ثم وزيرا للمالية والاقتصاد في أول وزارة شكلت بعد الاستقلال وبالتحديد في 17/1/1962 وظل في هذا المنصب حتى عام 1965. وتولى بالإضافة إلى عمله وزيرا للجهاز المالي للدولة مهام نائب رئيس مجلس الوزراء، كما ناب عن أمير البلاد آنذاك وولي العهد في غيابهما، وفي سنة 1966 أصبح وليا للعهد، لينتهي إلى إمارة البلاد بعد وفاة صباح السالم الصباح سنة 1979.

ومن الجدير بالذكر أنه في الفترة التي تولى فيها الشيخ جابر حقيبة الجهاز المالي للبلاد تحققت جملة من الإنجازات منها:

إنشاء بنك الائتمان لتيسير الائتمان العقاري والزراعي والصناعي.

إصدار عملة نقدية كويتية لاستخدامها في التداول بدلا من النقد الهندي.

إنشاء مجلس النقد الكويتي الذي أشرف على إصدار أوراق النقد والمسكوكات في الكويت.

إعداد النظام الخاص بالصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية.

عندما جاءت انتخابات 1975 كانت المعارضة في المجلس الذي أسفر عن الانتخابات أكثر قوة من المجلس السابق. وفي أغسطس/ آب 1976 حل الأمير المجلس وفرض قيودا على التجمع العام وحرية التعبير.

وفي عام 1980 أجريت انتخابات نيابية لاختيار أعضاء المجلس الخامس وأعقبه المجلس السادس عام 1985. وعندما بدأ المجلس في عام 1986 بمهاجمة الحكومة، وبخاصة طريقة تعاملها مع أزمة سوق المناخ المالية، علق الأمير المجلس مرة أخرى، واضطر وزير العدل وهو من الأسرة الحاكمة إلى الاستقالة من منصبه بسبب ادعاءات باستغلال نفوذه العام لأجل مغنم شخصي في حل الأزمة.

وكان للمعارضة حضورها ضد قرار تعليق المجلس وتمثل هذا الحضور في الحركة الدستورية عام 1989-1990. فقد بدأ أعضاء المجلس المنحل عام 1989 بالتنظيم والدعوة إلى المجلس وإعادة صياغة بنود دستور عام 1962 وعام 1986 التي علق فيها المجلس. ومع تنامي المعارضة استجاب الأمير، في محاولة لتفريق المعارضة، واقترح مجلسا جديدا يضم 50 عضوا منتخبا و25 عضوا يتم تعيينهم، وبذلك يكون عدد الممثلين في المجلس أقل من المجلس القديم، وسلطته أقل أيضا. وبذلك لا يمكنه سن تشريع مباشر.

وعندما تعرضت الكويت للغزو العراقي في 2 أغسطس/ آب 1990 لجأ أمير الكويت إلى السعودية حتى أخرج التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة القوات العراقية في 27 فبراير/ شباط 1991.

قام الأمير جابر بالعديد من الإصلاحات في مجالات الاقتصاد والإسكان والتعليم والصناعة. وبعد انتهاء الغزو العراقي قاد عملية إعادة إعمار الكويت ومحو آثار الغزو.

رحل أمير القلوب الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح بعد ان حفر ذكراه في قلوب أبنائه شبابا وشيابا والذين لا يسعهم الا ان يلهجوا له بالدعاء بالمغفرة والرضوان في الذكرى السادسة لوفاته التي تصادف اليوم.

والامير الراحل أسر القلوب بعطفه وعطائه فكان لها أميرا وقائدا وابا واخا عزيزا على قلوب الجميع وعني بأبنائه وخطا في سبيل ذلك خطوات ثابتة تعدت حدود وطنه الحبيب الكويت لتصل الى العالمية.

وفي عهده تطورت الكويت في مختلف المجالات وشتى مناحي الحياة واصبح لها ثقلها الدولي سياسيا واقتصاديا رغم صغر مساحتها وقلة عدد سكانها حيث وصلت مشروعاتها التنموية ومساعداتها الانسانية الى مختلف قارات العالم.

وترك الراحل بصمات واضحة في عمله الوطني على الاصعدة كافة خصوصا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وسجل مجموعة كبيرة من المبادرات التي تخدم الكويت ودول المنطقة العربية والخليجية.

ومن المبادرات التي قام بها الراحل على سبيل المثال مبادرته وفكرته بانشاء مجلس التعاون الخليجي وصندوق الكويت للتنمية وصندوق احتياطي الاجيال القادمة ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي وغيرها من المبادرات.

وبفضل سياسته عادت الكويت الى اهلها لتنهض وتواصل مسيرة الخير والعطاء من جديد وتبني وتعمر ما دمره العدوان الصدامي الآثم في الثاني من اغسطس عام 1990.

وكما قاد الراحل الكويت في السلم فقد دافع عنها في الحرب موقنا بأن الكويت سترجع الى اهلها واستطاع بفضل من الله ثم بحنكته وتعاون ومساعدة رفيق دربه الأمير الوالد الراحل الشيخ سعد العبدالله وسمو أمير البلاد الشيخ صباح الاحمد ثم الاشقاء والاصدقاء تحررت الكويت من دنس الاحتلال.

وكان الراحل حريصاً على رعاية ابناء الشهداء من خلال انشاء وتأسيس مكتب الشهيد فكان يتواصل معهم باستمرار ويقوم بالاشراف المباشر عليهم فكان المكتب حلقة وصل تربطه مع ابناء الشهداء ومن قدموا ارواحهم فداء للوطن كما أنشأ مكتب الانماء الاجتماعي لمعالجة الآثار التربوية والنفسية والاجتماعية للغزو العراقي على الكويت.

وأولى الراحل قضية الأسرى أهمية كبرى حيث حرص على توفير الحياة الكريمة لابناء الاسرى وذويهم من خلال تقديم كل مساعدة مادية لهم وضمان مستقبلهم وكان يؤكد في كثير من المناسبات ان قضية الأسرى تعد قضية الكويت الاولى حيث قام الراحل بطرحها امام العالم كقضية انسانية بالدرجة الاولى.

وللراحل مساهمات عديدة حققت نقلة نوعية في الاقتصاد الكويتي بشكل عام اذ تم انشاء الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية والبنك المركزي كما كان له دور كبير في تأصيل العمل المؤسسي وانشاء العديد من المؤسسات الاقتصادية التي ساهمت في وضع الكويت على خارطة الاقتصاد العالمي اذ تم انشاء الهيئة العامة للاستثمار وصندوق الأجيال المقبلة لتوجيه الفوائض المتراكمة في الميزانية العامة للدولة نحو استثمارات استراتيجية متنوعة تمت الاستفادة منها عند انخفاض أسعار النفط وخلال الغزو الصدامي الآثم.

ولم تخل خطابات الراحل واحاديثه من التركيز على الشباب حيث كان يؤكد أن الكويت بحاجة الى شباب ينشأ على الكفاح والجد بعيدا عن الترف والمظاهر اقتداء بآبائهم واجدادهم كونهم مستقبل الكويت وقال في إحدى كلماته »الشباب هم التيار المتجدد في نهر الحياة للكويت ولابد دائما من دعم روافد هذا النهر حتى لا ينقطع نبع القوة ومدد التجديد لجوانب الحياة في انحاء وطننا ولذلك فاننا دائما مع كل الجهود التي من شأنها اعداد الشباب وتنميتهم واشراكهم في نهضة بلدهم والحفاظ عليه«.

وأولى الراحل ابناءه من ذوي الاعاقة رعاية كبيرة حتى ذهل العالم من مدى رعاية الكويت وأميرها لهذه الفئة وتأمين مستقبلهم لتشمل الرعاية بذلك مختلف جوانب الحياة المالية والنفسية والتعليمية والاجتماعية حتى دفعت هذه الظاهرة الفريدة حرم رئيس الوزراء البريطاني الاسبق شيري بلير عام 2005 على الاعتراف بأن »ما تقدمه الكويت من خدمات وتسهيلات لذوي الاحتياجات الخاصة يفوق بمراحل ما تقدمه بريطانيا«.

ففي عام 2001 تم توقيع اتفاقية اطلاق جائزة سمو امير البلاد آنذاك الشيخ جابر الاحمد للبحوث الخاصة بالمعاقين وذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للثقافة والفنون و الآداب »يونسكو«.

وتبلغ قيمة الجائزة 500 ألف دولار أميركي وتقدم كل سنتين مناصفة بين فائز عربي وآخر غير عربي وذلك حرصا من الراحل على خدمة ذوي الاعاقة وتسليط الضوء على هذه الفئة الكريمة بما يحقق لها الرفاهية والعناية الكاملة.

وكان يمد يده الى المحتاج قبل ان تنطق شفة الاخير بمعاناتها و يغدق بالعطاء الجزيل حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ويأبى الا أن ينسب الخير للكويت الغالية.

وبمبادرة من الامير الراحل في 15 يناير 1998 واثناء زيارة لكل من جمعية المكفوفين الكويتية ونادي المعاقين وجمعية الصم الكويتية تبرع بمبلغ 20 ألف دينار كويتي لكل جهة منها كما تقرر صرف هذه المبالغ بشكل سنوي.

وكان الراحل يدعم المجلس الأعلى لشؤون المعاقين بمبلغ سنوي يفوق ثمانية ملايين دينار تصرف على ذوي الاحتياجات الخاصة وقد أمر سمو أمير البلاد الشيخ صباح الاحمد باستمرارية صرف المبلغ بعد تسلمه مقاليد الحكم. ومن تبرعات الامير الراحل الشيخ جابر مبلغ 17 الف دينار في 22 اغسطس 1993 للانشطة الشبابية لمراكز الشباب وذوي الاحتياجات الخاصة والجوالة ومعسكرات العمل جريا على عادته كل عام في تشجيع النشء على ممارسة هوايتهم و صقل مواهبهم واستغلال فراغهم بما يعود عليهم وعلى الوطن بالنفع.

ولم يقتصر اهتمام الامير الراحل على التبرعات والهبات بل كان يحرص على زيارة المؤسسات التي تعنى بذوي الاعاقة وذوي الاحتياجات الخاصة بشكل دوري ويحرص على التواصل مع ابنائه من تلك الفئات وخصوصا في الاعياد الدينية والمناسبات الوطنية.

اما في مجال دمج تلك الفئات بأقرانهم الاصحاء فقد قطعت الكويت شوطا كبيرا في عهد الراحل طيب الله ثراه تمثل باطلاق برنامج الفصول الخاصة للأبناء بطيئي التعلم عام 1995 وهو برنامج علمي ونفسي بالغ الدقة اتبع من قبل اختصاصےيين كويتيين وطبق على المراحل الدراسية من الصف الثالث الابتدائي وحتى الرابع متوسط كما تم تخريج أول دفعة في 2001.

وتبع ذلك الإعلان عن فتح فصول جديدة لاستقبال اول دفعة من أطفال متلازمة الداون بالمرحلة الابتدائية في مدارس التعليم العام التابعة لوزارة التربية في خطوة تهدف الى كسر الحواجز النفسية والاجتماعية والتربية التي لطالما جعلت هذه الفئة في معزل عن العملية التربوية بإطارها العام وبذلك جعلهم قوة منتجة تساهم في نهضة بلدهم و تقدمه.

أما فيما يتعلق بالقوانين والتشريعات الخاصة بهذه الفئة فقد كان أبرزها اقرار قانون 49 لسنة 1996 بشأن رعاية المعاقين الذي الزم الدولة برعاية ذوي الاعاقة طبيا واجتماعيا وتربويا وثقافيا ورياضيا وكفل حقهم بالسكن والتأهيل والعمل وانشئت على أساسه الهيئة العامة لرعاية المعاقين.