محمد أكرم دياب يكتب: هوّيتُ "القلم"

مقالات الرأي

بوابة الفجر

"اتعرف ما معنى الكلمة.. شرف الرجل في كلمة"، ظلت عالقة في عقلي تلك الجملة من  كلمات الامام الحسين التي اودت بحياته سيدا للشهداء،  لا اعلم التوقيت الذي بدأت فيه الجمله تخاطرني،  ولكني اتذكر جيدا انني حييت على تعظيم الكلمة فهي العقد المعقود دون إبرام، اؤمن بإنه ا لاتحتاج شهودا حتى، فشاهدها دائما هو واحدا قهار، يعظمها في الحق ويدحضها في الباطل، "ويريكم اياته في الافاق"، افاق كل مجتمع وتجمع وعلاقات. 

استطرد الحسين في حديثه مع الوليد بن عتبة قبل ان يغادر إلى مكة رافضا بيعة أبيه عتبة بن ابي سفيان ، بأن الكلمة نور وبعض الكلمات قبور، وكانت رد بليغ على قول الثاني  له، نحن لانطلب منك الا كلمة فقل بايعت واذهب إلى جموع الفقراء، قلها وانصرف يا حفيد رسول الله حقنا للدماء، قلها ما ابسطها فكانت لابن آل البيت اروع الاوصاف في الكلمة وحقها. 

وقبل موقف يزيد والحسين تجد من الكلمة الذكر وللقلم القدسية منذ الخليقة، فبعد الانسان، خلق الله قلم النور " ن والقلم ومايسطرون" وقد يسبق القلم الانسان والخلق، وعلمها عند الخالق، فتفسير الايه حسب ابن كثير إنه قلم النور الذي يصل طوله من السماء إلى الارض وانشق نصفين بنظر من خالقه الذي كتب به الذكر وان ما يسطرون هو تسطير الملائكة وكتابتهم لاعمال الانسان. 

 فالقلم مقدس يبثق قدسية للكلمة، تتبع الحق بعشقهم، وتتمكن فيهم عقب زيادة  إيمانك بقوة سيطرتهم، وكان اكبر اعجاز القرآن  في كلماته التي وصفها الحق " وما هو بقول شاعر" لكنها ذكر كتبت بقلم النور أول آياتها اقرأ،  وألواح موسى كانت كلمات كتبت في حجارة الجبل وتعاليم الخالق كلمات أهدت إلى رسله من السماء وجمعت بالكتابة في المقدسات.

وفي اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي حددته الأمم المتحدة عام ١٩٩١ بعد مؤتمر ويندهوك الذي أوصت فيه بضرورة تطوير صحافة حرة ومستقلة، اجده انسب وقت لاعتراف بأنني هويت القلم وهمت فيه عشقا،  قدست الكلمة أساس صحافة كل زمان،  فما هي الا كلمات واجبها انصاف الحق ويدحض بها الباطل، القلم سلاح قوي لمن يعرفه ويصيب بالحق من يقصده له نصل قوي بطشه على الباطل وله ريشة تمجد كل حق.

اتذكر جيدا بداياتي في بلاط صاحبة الجلالة من صحف صغيرة، لا يغيب عن ذهني معلمي الأول لكلمات "الجرايد " محمد فاروق الذي وافته المنية شابا، اقدر جيدا كل فرصة حظيت بها ولكل من وهبني إياها، امتن لجريدة الفجر التي علمتني كيف تكون الجرأة في الكتابة وفرصة اختيار الموضوع الذي تنتظر مردوده بعد النشر، وهو كان الدرس الأكبر في البحث عن قدسية كلمات نكتبها لنصرة حق غُفل عنه. 

بالقلم سطرت في "الفجر" تحقيقات صحفية تمكنت من كشف فساد في السكة الحديد، ونصرت أصحاب مظالم زاد فخري بكوني حلقة وصل بينهم والجهات المعنية، ومنعت تداول قطرات الميد رابيد في أسواق المخدر وادخلتها جداول المخدرات، فتشت عن أصحاب الأمراض النادرة واستهدفت اسواق التجارة في الأعضاء وادوية الاورام والعملة، وعشقت القلم أكثر عندما حولته إلى صورة في كتابة الأفلام الوثائقية، ولا يزال  طريق العشق ممتدا بجانب العمر.