أحمد نور.. رحل ليبقى «العظماء لا يموتون»
يغيّب الموت أشخاصا عن عالمنا، لكنهم يبقون، فالموت إن غيب الأجساد، تظل أفعال العظماء باقية.. فى تاريخ الشعوب والأوطان.
والسطور القليلة التالية عن الدكتور أحمد محمد نور أستاذ المحاسبة ورائد التطوير والتجديد بتعليم مصر - وليس جامعة الإسكندرية فقط- سأسردها بإيجاز شديد ألتزم فيه الحياد الكامل حتى لا يقال إننى أبالغ لأنه والد زوجى وجد ابنى الوحيد.
الآن.. أكتب للأجيال الحالية التى - ربما - لا تعرف من هو «أحمد نور»، صاحب المبنى الشهير بكلية تجارة الإسكندرية الذى يحمل اسمه منذ أكثر من (25) عاما، ولو كان أحمد نور ليس «حمايا»، كنت قد نشرت عنه صفحة كاملة.. ولكن أكتب تلك السطور البسيطة حتى لا أجحفه حقه الأدبى والمعنوى.
أحمد نور المولود فى ديسمبر من 1937 بمحافظة البحيرة مثله مثل ملايين المصريين الذين تمتعوا بمجانية التعليم، ولكنه أثبت نبوغه العلمى وهذه كانت معلومة لم أعرفها عنه حتى قبل أسبوع من وفاته حينما التقيت مصادفة بصديقه بالدراسة والبلد التى ولد فيها الأستاذ محمد غنيم وكيل وزارة الثقافة الأسبق.. وسرد لى أن «غنيم» كان أول دفعته على الثانوية العامة على مستوي الجمهورية أدبى، بينما كان «أحمد نور» الأول على مستوى الجمهورية «علمى»، ليكون لهما الحظ أن يتم الاحتفال بهما فى عيد العلم الأول فى عهد جمال عبدالناصر، ويختار أحمد نور دخول كلية التجارة جامعة الإسكندرية التى ينبغ فيها ليكون أول دفعته ويتم تعيينه بها معيدا وإرساله لإنجلترا فى 1966 فى بعثة لنيل الماجستير والدكتوراه فى علم المحاسبة.
وهناك يبزغ نجمه ويكون عضوا فى اتحاد الطلبة المصريين بإنجلترا، ويعرض عليه البقاء للتدريس بها، ويرفض ويعود لمصر ليستكمل مسيرة أعماله بعد إنجابه لولديه حسام وياسر بلندن.. ويتدرج بالدرجات العلمية حتى يكون أول عميد لكلية تجارة فى مصر كلها وليس إسكندرية، بالانتخاب فى أوائل الثمانينيات، حتى منتصف التسعينيات من القرن الماضى، ليقوم بإدخال فكرة التعليم المفتوح لأول مرة فى مصر فى عهد الدكتور أحمد فتحى سرور عندما كان وزيرا للتعليم والتى أعجب بها لأنها كانت مستوردة من خارج مصر ويسهل تطبيقها فى مصر.
فوافق ليكون رائدا للتعليم المفتوح فى مصر، ثم أيضا فى عهد وزارة تعليم فتحى سرور يدخل لأول مرة قسم اللغة الإنجليزية فى كلية التجارة لتصبح كلية التجارة إما بالعربية أو الإنجليزية لتنجح الفكرة ويتم تعميمها فى غالبية فروع كليات تجارة مصر، ثم فى عهد وزارة تعليم الدكتور مفيد شهاب يقوم بجمع تبرعات من رجال الأعمال وبالجهود الذاتية ليبنى مبنى كلية التجارة الذى تكلف وقتها 20 مليون جنيه دون أن يكلف الدولة مليما وكان أقل شىء يتم رد الجميل به من جامعة الإسكندرية وقتها أن أطلقت اسمه على ذلك المبنى للآن ليصبح المبنى الرئيسى بالكلية مبنى أحمد نور.
وتولى عمادة كلية تجارة جامعة بيروت - عندما كان عندنا جامعة بيروت- قبل أن يضيعها العدوى، كما شارك الدكتور جمال مختار الأب الروحى للأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا فى تأسيس كلية إدارة الأعمال بها ووضع أسسها التى تسير عليها للآن، وكرمته جامعة الإسكندرية منذ أربع سنوات بمنحه جائزة طه حسين أعلى جائزة ووسام بالجامعة فى الريادة وأشرف على مئات رسائل الماجستير والدكتوراه تاركا للمكتبة العربية عشرات الكتب التى ألفها.
ولا ينسى له أن رئيس اليمن السابق على عبدالله صالح اختاره قبل ثورة اليمن وثورة يناير ليقوم بإعادة هيكلة أنظمة المحاسبة فى الدولة بوزاراتها المختلفة، كذلك فعل رئيس ليبيا السابق معمر القذافى حيث كان لدى الاثنان نزعة القومية العربية وأن أبناء مصر هم روادها.
وأخيرا ربما لا يعرف الكثيرون أن أحمد نور هو من اختاره وزير استثمار مصر فى عهد مبارك محمود محيى الدين ليقيم أصول عمر أفندى قبل أن يتم طرحها فقام بتقييم اسم الشركة فقط بـ(500) مليون جنيه دون الأصول التى لها سعر آخر وهو ما استندت له وزارة محمود محيى الدين ليستغل الله يسامحه بقا واحد بتاع شو الأمر ويقول الدولة عارضة كل عمر أفندى بـ(500) مليون على خلاف حقيقة الأمر.
ولما قرر أحد نواب الشعب وقتها تقديم استجواب ضد أحمد نور مقيم الصفقة وعرف بالحقيقة تراجع عن موقفه الذى غالط فيه صاحب الشو الشهير الحقيقة، رحم الله أحمد نور الذى رحل ليبقى والذى كرمته كليات التجارة بأن تطلق اسمه أيضا على المكتبة الرئيسية بالكلية أيضا وقررت الأسرة عمل جائزة سنوية باسمه تمنح لأول خريج بقسم المحاسبة بالكلية القسم الذى تخرج فيه وتخصص، ضاربا المثل فى زهد العمل السياسى الذى رفض الانجراف فيه من أول يوم ورافضا الوزارة عدة مرات بعد ثورة يناير ولم يكن مثل بعض الأساتذة الذين حملوا لقب أستاذ جامعى بالتجارة وانجرفوا للعمل السياسى دون أن يدخلوا مدرجا لتدريس محاضرة واحدة للطلاب، أحمد نور خرج أجيالا وأثر فى مئات الآلاف الذين يحملون اقتصاد مصر والوطن العربى على أكتافهم.
رحم الله الدكتور أحمد نور لما قدمه للعلم والتعليم فى مصر وبقدر مساعدته للجميع فلم يكن أستاذا لأجيال فى العلم فقط ولكن فى الأخلاق وقدوة لأسرته الصغيرة لن تتكرر وزوجا نادرا وأبا وجدا لن يتكرر.. رحم الله والد زوجى وجد ابنى الوحيد الذى يحمل اسمه وأفتخر.