وائل عبد الفتاح يكتب: جنازة عمر \ ميشيل

الفجر الفني

بوابة الفجر


1- عندما ماتت صباح… ودعها أهل بيروت بالرقص والغناء… حولوا الوداع إلى احتفال… محبة لها… لم يهتموا بإعلان موتها… وحشرها فى طقوس التوقير الرسمية والاجتماعية الجامدة.. والباهتة… وداع صباح كما حياتها كانت دفاعا عن الجانب المرح فى الحياة… ذلك الجانب الذى يتعامل به سكان دول هذه المنطقة المرحبة بالموت فى الظاهر والباحثة عن الحياة ومرحها فى السر… هذه المنطقة تتحول إلى كوكب مغلق على ذاته.


2- تحتل الكائنات الميتة طرقات ودروب هذه المدينة. تراها مفتحة الأعين وأفواهها تلقى نفايات، لكن هناك من يتعامل معها على أنها لغة وكلام… نعم الزومبى (الكائنات الميتة التى عادت للحياة) تحتلنا، ولهذا فإن كل شىء حى يموت.. يقضمه الزومبى… وهذا ما رأيناه عندما مات أشهر نجوم العصر الحديث عمر الشريف.


عمر... أو ميشيل شلهوب انشغلت أجهزة نشر النفايا المتلفزة بسؤال عن ديانته، هو الذى اختار حياة أوسع، وهو الذى صنع أسطورته فى منطقة خاصة أبعد حتى من الفن… أو الموهبة الخارقة.

شهرة عمر لم تصنعها موهبة استثنائية، لكن الموهبة أسهمت فى بناء سيرة حياة، مثيرة للاهتمام.

الشهرة فتحت عوالم الحياة من الولع بالملذات وحتى المقامرة إلى الرمق الأخير.


3- المجتمع السعيد بانقطاعه عن الحياة… لم ير من عمر الشريف كل هذا الانفتاح…حاول بكل ما يمتلك من ألاعيب وحيل أن يضبطه على «مقاسه..».. لم نفكر فى درس كبير مثل الفارق بين بيليه ومارادونا.


بيليه غادر مبكرا بأسطورته الملائكية الطيبة المتصالحة، وتحول مارادونا إلها يصلى له مجانينه كل أسبوع فى كنيسة باسمه… الذين لم يراقبوا أخلاقه واندماجه فى طقس الطاعة والامتثال الاجتماعى ولم يرعبهم بدانته ولا هزهم فشله كمدرب ولا تطرفه فى المنشطات، ولا قصة هدفه الذى استعان فيه بيد الله… كل هذا عجنته موهبة خارقة لا تفسير لاختراقها حاجز الوقت لتشرخ الزمن والواقع وعبودية الفضيلة إلى مصاف المغامرين المقيمين عند الحواف، ويبهرون الناس بما تطمره تعاليم وكتالوجات الحياة الرشيدة.


4- كتبت مرة متمنيا لقاء بين مارادونا ونجيب محفوظ.. ليس مكافأة على شجاعة محفوظ فى إعلان محبة أحمد عدوية، بينما القطيع العمومى للمثقفين يعتبرونه رمز الإسفاف. ولكن لأن مارادونا لا وعى نائم عند محفوظ.. شريك رواياته أو قرين تلك السبيكة التى اختار نجيب الإقامة فى نصفها المنضبط كالساعة، وهو «رجل الساعة»… كما أسماه الأصدقاء.


5- عمر الشريف ونجيب محفوظ مثل أم كلثوم وعبد الحليم حافظ... وطه حسين أصحاب «معجزات» بشرية. خروج الناس لوداعهم.. هو احتفال بقدرة الإنسان على الخلق والإبداع.


أم كلثوم امرأة فقيرة، وعبد الحليم حافظ... مغنٍّ بقدرات صوت ضعيفة وقوة روح تتغلب على المرض، وطه حسين مفكر خرجت جنازته من جامعة القاهرة.. البيت الذى اكتشف فيه الطريق إلى العلم والفلسفة.


كل منهم حكاية كبيرة... تحبها أو تختلف معها.. لكنها حكاية كبيرة عن الثقافة.. والفن.. والفلسفة.


خروج الناس لوداع الموهبة.. هو احتفال بقدرة الإنسان على الخلق والإبداع… لكن فى ملاعبنا تقتل المواهب البشرية على مذابح تمجيد الآلهة… يقتلونها بينما يؤرقهم مارادونا ويبقيهم فى تشكك من قدراتهم على أن يدفنوا معجزاتنا أو يحولوها إلى أيقونات مدرسية يفخر بها الحكام الجهلة أو يصفقون لها فى الملاعب حين تموت.


6- جنازة فيها حب الحياة… وحريتها هو ما يليق بوداع عمر/ ميشيل… جنازة فيها نجوم ودعوة كصديق… لكن لا أحد هنا فى هذا الكوكب الذى يخنقنا عفنًا وانحطاطًا قادر على ذلك الوداع… كل الفاعلية امتضغها منتجو العفن الذين سألوا عن ديانة النجم، وتتبعوا متى تعلم الصلاة أو فتشوا فى عقيدته، وهى المساحة التى ظلت طوال نجوميته مثار النميمة المنحطة، من اختراع أن أصوله يهودية (وعائلته كاثوليكية أصلا) وحتى نسج حكايات خرافية عن هذا العالم الذى لم يهتم به عمر الشريف أو ميشيل شلهوب كما تقول كلماته وسلوكه.


هل تبحثون الآن عن سبب للمحبة؟